سلسلة الثقوب السوداء: الحلقة الثانية

الحلقة الثانية: دورة حياة النجوم
استعرضنا و إياكم في بداية السلسلة كيفية تشكل الكون انطلاقاً من نظرية الانفجار العظيم و ما تلاها من تحولات طرأت على الكون حتى وصل لصورته الحالية.

إلاّ أن الحديث عن قضية الثقوب السوداء و كيفية نشوئها يتطلب المرور على حياة النجوم و دورة حياتها، فالثقب الأسود هو نجم بنهاية المطاف، إلا أنه يتمتع بخواص معينة و طريقة موت دراماتيكية فريد من نوعها أكسبته تفرداً خاصاً به.

إذاً القضية معنية بالنجوم و دورة حياتها و كيفية موتها…أليس كذلك؟
نعم هذه هي القضية و لنسبر معاً حياة النجوم كي نتوصل إلى لب القضية…الثقب الأسود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دورة حياة النجوم Stars Life Cycle

لو أردنا أن نعود إلى المرحلة التي تسبق تكون النجم لوجدنا أن أسلاف النجوم و المجرات(الكوازارات) هي عبارة عن سدم غازية و غبارية تجوب الفضاء الكوني الواسع و ناتجة عن بقايا الانفجار العظيم،و قد نجم عن الانفجار العظيم نوعين فقط من النوى:نوى الهيدروجين(H) و نوى الهليوم(He) و هي التي شكلت المادة الأساسية للكون و نسبة هذين العنصرين(وهما أبسط عنصرين في الجدول الدوري و ترتيبها 1 و2) هي 99% من نسبة مكونات الكون و الباقي يبلغ فقط1% و الأمر المثير أن الهليوم أحد اوفر العناصر الكونية يعتبر غازاً نادراً في الأرض وتم اكتشافه لأول مرة من الشمس ومن هنا جاء اسمه من اسم “هيليوس” أحد أسماء آلهة الاغريق القديمة.

بالنسبة لبقية العناصر و كيفية تشكلها، فقد كان الاعتقاد السائد لدى علماء الفيزياء الفلكية قبل نحو 40 عاماً أنها تولدت بفعل الاندماجات النووية الثقيلة التي تحدث بقلب النجوم،إلا أن الواقع بين أن هذه الاندماجات عاجزة عن تشكيل نوى أكبر من نواة الحديد(Fe) ذات الرقم 26 في الجدول الدوري، وبينت المكتشفات أنه للحصول على باقي العناصر فإن العملية تتطلب طاقة إضافية نحصل عليها من انفجار النجوم الضخمة.

إذاً كيف تشكلت النجوم بحد ذاتها؟ إن المعطيات اعلاه تقودنا إلى حقيقة مفادها أن النجم يتكون بصورة رئيسية من الهيدروجين الذي سيولد الهليوم بقلب النجم.

حقيقةً،إن الانفجار العظيم قد خلف وراءه غيوم غازية ضخمة سميت فيما بعد سدم(Nebulas) كما أن جزيئات الغبار ملأت الفضاء إثر الانفجار العظيم و هاتان المادتان شكلتا اللبنتان الأساسيتان لتشكيل النجوم.
النجم الأولي أو البدئي (Proto Star) يتكون من هذه السدم الغازية و جزيئات الغبار،حيث يحصل ما يعرف بالانهيار الجاذبي لهذه الغيوم الغبارية و الغازية، أي تؤثر قوى الجاذبية المتبادلة و تبدأ هذه الجزيئات بالاقتراب من بعضها البعض و تلي هذه المرحلة مرحلة اصطدام الجزيئات مع بعضها البعض و ارتفاع في درجة حرارتها و البدء في تشكيل نواة لنجم البدئي و ذلك عبر بداية حدوث تفاعلات الاندماج النووي في قلب النجم الناشئ و اندماج كل أربع ذرات هيدروجين لتشكيل نواة هليوم واحدة، مع إصدار لكميات من الطاقة و بوزيترونات (البوزيترون هو الجسيم المضاد للالكترون).
و يعقب هذا الاندماج إصدار فوتون ضوئي لأشعة غاما، وذلك بفعل تغير المقدار الطاقي لسويات الطاقة في الاندماج النووي، و يقوم هذا الفوتون بشق طريقه إلى سطح النجم و الإشعاع كي يعطي ضوءاً، لقد أصبح النجم مشعاً للضوء.
تتوقف بعد فترة عملية الانهيار الجاذبي لغيوم الغبار و الغاز و ذلك بعد أن يتكون لب النجم و يصبح له مفاعل نووي داخلي يقوم بكل ثانية بعمليات الاندماج النووي، و إن ثقل الطبقات الخارجية للنجم الآن يعتمد على التفاعلات النووية الداخلية التي ستنتج حرارة و ضغوط عالية.

تستقر بعد ذلك حياة النجم و يشع بالضوء و الحرارة و الأشعة الكونية الأخرى و ذلك لفترة زمنية معينة(شمسنا تشع ضوء و حرارة منذ 5 مليارات سنة)، و ذلك بفضل تفاعلات الاندماج النووي التي لا تتوقف أبداً (في شمسنا، يتم تحويل 400 مليون طن من الهيدروجين إلى هليوم في كل ثانية).
بهذه المرحلة سيأخذ النجم شكله الفيزيائي التقليدي:
• اللب الداخلي للنجمCore : وهو يعتبر مفاعل نووي هائل يقوم بعمليات الدمج النووي تبلغ درجة حرارته في نجم مثل شمسنا 15 مليون درجة مئوية تقريباً و تتميز بوجود عناصر الحديد(Fe) و السليكون(Si) و الأوكسيجين(O).
• الطبقة الإشعاعية Radiative Zone: وهي المنطقة التي تلي اللب مباشرة و تتميز بنشاط إشعاعي هائل كما أنها تضم عنصر الكربون (C).
• المنطقة الحرارية Convection Zone: يتم خلالها التوصيل الحراري للقشرة و ذلك بطريقتي الحمل و الإشعاع و هي تحتوي على خليط من الكربون و الهليوم(He).
• القشرة Chromosphere: وهي الطبقة الخارجية من النجم و تتميز بدرجة حرارة حوالي 6000 درجة مئوية و تحوي بكاملها هيدروجين .

يمكن بالتالي تلخيص حياة النجم إلى ما يلي:
1- مرحلة النشوء: مرحلة التجاذب و الدوران بين السدم، حيث تبدأ التجمعات الغازية و السدم بالتكتل بفعل قوى الجاذبية.
2- مرحلة تكون النجم الأولي Proto Starبدء حدوث الاندماجات النووية و تشكل الهليوم
3- مرحلة الاستقرار و العمل: النجم تقريباً مستقر من حيث إنتاج الطاقة)
4- مرحلة انتهاء المخزون الهيدروجيني
و هنا سنجد السؤال الذي طرحه كل العلماء سلفاً:
ما الذي سيحدث عن انتهاء مخزون الهيدروجين؟ ما هو مصير النجم ؟ و الأهم من هذا و كله، ما هو سبب تباين أشكال النجوم في مراحل عمرها المتأخرة؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة كلها يتعلق بشيء واحد فقط : كيفية تكون النجم و حجمه خلال حياته النشطة، حيث إن الحجم الذي يأخذه النجم يلعب دوراً كبيراً جداً، لا بل حاسماً في الكيفية التي سيؤول إليها بعد انتهاء مخزون الهيدروجين،و لنتفق على عدم استخدام مصطلح موت النجم لأن النجم فعلياً لا يموت، و كلنا درسنا قانون لافوازييه الرئيسي في انحفاظ و مصونية الطاقة ” المادة لا تفنى من الوجود و لا تخلق من العدم…بل تتحول من شكل لآخر من أشكال الطاقة ” إذن النجم فعلياً لن يموت بل سيتحول من شكل إلى آخر كون من أشكال الطاقة و تحوله إلى هذا الشكل “الآخر” يتعلق أولاً و أخيراً بحجم النجم و كتلته، فكلما كبر حجم النجم و كتلته كلما مان مصيره غريباً و مثيراً بعد انتهاء مخزونه الهيدروجيني.

إلى هنا نكون قد انتهينا من مناقشة قضية تشكل النجم و نشوئه بدءاً من النجم البدئي و حياته النشطة وصولاً إلى انتهاء مخزونه الهيدروجيني، و سنتابع الأحداث التي تصيبه بعد ذلك في الحلقة القادمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الملحق

(1)- البوزيترون Positron: هو تعريفاً الالكترون الموجب،وهو جسيم يمتلك كافة خصائص الالكترون باستثناء الشحنة الموجبة، فهو مضاد للالكترون.
بصورة عامة البوزيترون ينتج عن تحلل النظائر المشعة الغير مستقرة مثل نظير الصوديوم(Na22) و نظير النحاس (Cu64) و ذلك عبر التحول النووي الانشطاري من النمط بيتا(β) و الذي يكون من نمطين، إما الاعتيادي الذي سينتج جسيمات بيتا السالبة و هي الالكترونات، وإما جسيمات بيتا الموجبة و هي البوزيترونات.
البوزيترونات من الجسيمات النادرة الوجود حالياً و هي كما أسلفنا لا توجد إلا في حالات النشاط الإشعاعي أو في المخابر ذات الطاقة العالية أو في ظواهر فلكيةعنيفة كالأشعة الكونية و المستعرات الفائقة(Supernova) التي سنتحدث عنها مستقبلاً و لم تتواجد هذه الجسيمات بوفرة إلا بعيد الانفجار العظيم، حيث كان عددها يساوي عدد الالكترونات تقريباً.
(2)- أنطون لافوازييه(1843-1894) Antoine Laviosier: ربما أشهر كيميائي عرفه التاريخ…
أول شخص يبين على وجه التحديد بنية الماء على أنه مؤلف من ذرتين هيدروجين و ذرة أوكسيجين، كما أنه ضرب نظرية الفلوجستون القديمة عرض الحائط عندما بين حقيقة وجود الأوكسيجين ووضع قانونه الشهير في انحفاظ الطاقة و مصونيتها…
انتهت حياته على يد جان بول مارات أحد زعماء الثورة الفرنسية عن عمر 51 فقط.
(3)- الاندماج النووي Nuclear Fusion: هو عبارة عن تفاعل نووي تندمج فيه ذرتين خفيفتين لتشكيل نواة أثقل
الاندماج النووي تفاعل يصدر عنه طاقة هائلة جداً و أكبر بكثير من الطاقة الناتجة عن تفاعل الانشطار،كما أنه يحتاج لشروط خاصة جداً من الضغط العالي جداً و الذي يصل حتى آلاف البارات،كما يتطلب حصر النوى في حيز صغير جداً من المكان و رفع درجة الحرارة إلى ملايين الدرجات المئوية، و لا يتم توفير مثل هذه الشروط طبيعياً إلا في لب النجوم الفعالة، و على الأرض لا يمكن تحقيقه إلا بظروف خاصة و معينة، فتفجير القنبلة الهيدروجينية مثلاً يتطلب وجود انفجار لقنبلة نووية انشطارية قلبها كي يتم هذا الانفجار، فالقنبلة النووية بمثابة فتيل لإشعال القنبلة الهيدروجينية!

تحرير: ماريو رحال

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *