سلسلة الثقوب السوداء: الحلقة الثالثة
دورة حياة النجوم – الجزء الثاني
في الحلقة الماضية وقفنا عند كيفية نشوء النجم و العوامل المساهمة في تشكله و تكوينه،وصولاً إلى النقطة التي سيستنفذ فيها النجم مخزونه الهيدروجيني، و هنا بدأت المفارفة الفعلية، و هنا سيتوجب علينا أن نطرح السؤال التالي:
هل كل النجوم ستنتهي مسيرتها النشطة بنفس الطريقة؟
منطقياً لا، و عملياً قطعاً و حتماً و بكل المقاييس لا…فالتباين في التحولات التي ستحدث على النجم في مراحل حياته الأخيرة هو عامل حاسم يلعب دوراً كبيراً في العديد من الظواهر الكونية و العلمية.
إذاً فالعامل الحاسم في كيفية تطور النجم بعد انتهاء مخزونه الهيدروجيني هو حجمه، بمعنى آخر المخزون الهيدروجيني الأصلي الذي كان يحتويه.
من هنا سنعتمد تقسيماً للنجوم حسب حجومها و سنتعبر فيه الشمس كنجم معياري Standard كي نصنف وفقه.
1- نجم صغير أو متوسط
هذه النجوم هي مثل الشمس-التي تعتبر نجم متوسط- و النجوم الأصغر منها، فهذا النمط من النجوم له دورة حياة متشابهة و متماثلة و يمكن تلخيصها بما يلي:
نجم بدائي، يتحول إلى نجم نشط (و هي المرحلة الحالية لنجم مثل شمسنا)، و مع نهاية المخزون الهيدروجيني في قلب النجم سينتقل لمرحلة العملاق الأحمر الذي يتوسع بشكل كبير، ثم تبدأ مرحلة الصغر في الحجم و الحرارة و الكتلة و التحول لعملاق أبيض، ثم قزم أبيض، و المرحلة الأخيرة هي مرحلة القزم الأسود.
هكذا نمط من النجوم بعد نفاذ مخزونه الهيدروجيني و تحوله بالكامل إلى هليوم، ترتفع درجة حرارته الداخلية، ويصبح اللب الداخلي للنجم عبارة عن مفاعل نووي ضخم يشكل الكربون بنتيجة الاندماجات النووية المستمرة للهليوم، و الحرارة الناتجة عن هذه التفاعلات ستقوم بضغط الغلاف الغازي نحو الخارج منتفخه مئات المرات من الحجم الأصلي، أي سيتضاعف حجم النجم مئات المرات بسبب الحرارة الهائلة عن تكوين الكربون و لنجم مثل شمسنا، فإنه و كنتيجة لتضاعف حجمه سيقوم بالتعدي على مدارات الكواكب و المساهمة في تحطيمها و تدميرها و ذلك وصولاً إلى كوكب الأرض، و ربما المريخ، و عند نفاذ الوقود النووي لتشكيل الكربون، فإن الغلاف الخارجي يتلف نتيجة الريح القادمة من اللب، و سيقذف ملايين الأطنان من المادة نحو الفضاء الخارجي مشكلاً السديم الكوكبي الذي سيتشكل بمركزه قلب القزم الأبيض الذي لا يلبث أن يخبو ليشكل قزماً أسوداً.
الملاحظ هنا أن الذرات ترتص مع بعضها لتشكل أجرام ذات حجم أقل و كتلة أكبر، إلا أن هذه الذرات ستنجو من مزيد من الارتصاص الثقالي(تزايد في الكتلة و الكثافة و تناقص رهيب في الحجم) بفضل مبدأ باولي، حيث حين ينضغط لب النجم لتكوين القزم الأبيض و تزايد الكثافة و الكتلة، ستنضغط نوى الذرات و المسافة الكائنة بينها و بين الالكترونات ستختفي، و يتوقف الانضغاط عند هذا الحد، أي تحافظ الجسيمات الذرية على أشكالها و لكن ملاصقة لبعضها البعض.
2- النجوم الأكبر من الشمس بـ 1.5 مرة
بهذا النمط من النجوم، تبدأ الظواهر الفيزيائية العجيبة بالظهور، و تبدأ التحولات الغريبة في مسيرة حياة النجم بالوضوح أكثر فأكثر، فهكذا نمط من النجوم سيشكل ما يعرف بالمستعرات الفائقة، أو المتجددات العظمى Supernova.
|| فما هو المتجدد الأعظم ؟
بمثل هذه النجوم، بعد نفاذ الهيدروجين من قلب النجم، ترتفع حرارة اللب الداخلي للنجم إلى 600 مليون درجة، فيتحول اللب الداخلي إلى ما يشبه طنجرة ضغط ضخمة تستهلك وقودها الداخلي، و ستسمر هذه النجوم في التقلص و التسخن حتى تبدأ فيها تفاعلات نووية أخرى تقوم بشي الكربون و تحوله إلى نوى أثقل، نيون ثم أكسيجين ثم سيلكون ثم أخيراً حديد.
بعد تكون الحديد(أشد النوى استقراراً) سينقطع مصدر الطاقة اللازم لاستكمال عمليات الاندماج اللازمة لتكوين النوى الثقيلة، و لدى انقطاع مصدر طاقة لب النجم فإن النجم سينهار فجأة و بأقل من ثانية و سينسحق سحقاً كاملاً! و هذا الانفجار سيولد دفقات جديدة من الطاقة الهائلة نحو داخل النجم ستسخن فيه نوى الحديد مرة أخرى لتشكيل نوى أثقل من أنواع مختلفة، و بعدها ستنضغط مادة اللب بشكل رهيب مطلقة موجة هائلة من الصدمة باتجاه الغلاف الخارجي للنجم فتسحقه و تلقي بمكوناته نحو الفضاء الخارجي و بهذه المرحلة سيطلق على النجم اسم المتجدد الأعظم، حيث أنه بعد الانفجار سيعطي كميات كبيرة من نظائر النيكل المشع ثم الكوبالت ثم الحديد، و تترافق مع طاقة هائلة جداً.
عند تفجر المستعر الفائق(SG1987A) الذي يبعد عنا 17 ألف سنة ضوئية قدرت كمية الكوبالت المنبعثة منه بـ 70 مرة وزن شمسنا! و ترافقت مع طاقة عالية جداً قدرت بانفجار 10 ملايين قنبلة هيدروجينية بآن واحد معاً! و الكرة الأرضية نفسها قد تكون تكونت من انفجار مستعر فائق أو أكثر، بسبب الطاقة الهائلة المبتعثة منه و بسبب النوى المختلفة التي يطلقها.
لم يتمكن العلماء من مشاهدة مستعرات فائقة بالعين المجردة إلا بصورة نادرة جداً, حيث خلال الألف العام الأخيرة لم يتمكن العلماء سوى رصد أربع حالات فقط لانفجار مستعرات فائقة و ذلك في الأعوام 1006 ، 1054 ، 1572 ، 1604، إلا أنه و مؤخراً، عام 1978 تمكن الفلكي الكندي إيان شيلتون Ian Shelton من رؤية نجم جديد يظهر في سحابة ماجلان الكبرى و التي تبعد عنا 17 ألف سنة ضوئية، و عملياً فإن الانفجار للمستعر الفائق الذي رىه شيلتون لم يحدث عام 1978، بل عملياً أثناء العصر الجليدي للكرة الأرضية.
3- النجوم الأكبر من شمسنا بـ 1.5 إلى 3 مرات
هنا لن تتوقف حياة النجم على انفجار المستعر الفائق، بل أنه بعد انفجار المستعر الفائق سيستقر لبه الداخلي على هيئة نجم يدعى النجم النيوتروني Neutron Star
|| فما هو النجم النيوتروني ؟
ما يحصل هو أنه بعد انفجار السوبر نوفا سيحصل اندماج بين البروتونات و الالكترونات بفعل الطاقة الهائلة جداً المتحررة من الانفجار، و بهذه العلمية ستتشكل النيوترونات المتراصة جداً مع بعضها البعض و هنا سيتشكل نجم قطره بين 20 إلى 30 كلم، مع كثافة تبلغ 100 مليون طن لكل سم مكعب!
أول من تبنأ بالنجوم النيوترونية هو العالم الروسي ليف لاندوا Lev Landua و ذلك عام 1932 و تم التحقق لأول مرة من وجوده عام 1967 على يد العالمة الايرلندية الشمالية جوسلين بيل Jocelyn Bell العالمة في مراكز أبحاث جامعة كمبردج.
سطح النجم النيوتروني يتألف من حديد مضغوط بدرجة هائلة جداً، و تحت القشرة الحديدة يوجد أنواع مختلفة من السوائل، و يملك هذا النجم كثافة عالية جداً جداً، إذ أن إلقاء قطعة نقود معدنية على سطخه سيؤدي إلى ارتطامها به بسرعة تعادل نصف سرعة الضوء.
النجوم النيوترونية أصغر من أن ترى بالعين المجردة، و هي تدور حول نفسها و لها مجال مغنطيسي قوي، و قد تبين أن السرعة المطلوبة للإفلات من جاذبية النجم النيوتروني تبلغ 200000 كلم في الثانية الواحدة.
هناك نمط آخر من النجوم النيوترونية، و هو ما يعرف باسم البولسارات Pulsar، حيث أن النجم النيوتروني الأول الذي اكتشفته جوسلين بيل كان حقيقةً عبارة عن بولسار، فما هو البولسار أو النجم النباض ؟
النباض هو نجم نيوتروني، و لكنه يتميز بسرعة دورانه حول نفسه العالية جداً جداً، كما أن له مجال مغنطيسي قوي أقوى من المجال الخاص بالنجم النيوتروني الاعتيادي كما أن البولسار يصدر إشعاعات راديوية أيضاً(وهي كانت وسيلة كشفه، حيث اعتقدت بيل في بداية الأمر أنها اكتشفت حضارة جديدة في الفضاء تحاول الاتصال بنا، ثم تبين فينا بعد عام 1968 أنها صادرة من نجم أطلق عليه اسم النباض، أي الذي ينبض موجات).
اكتشف العلماء نباضات سريعة بشكل لا يصدق، فالنباض (PSR1913+16) الذي اكتشفه العلماء في سديم السرطان (Crab Nebula) يشع و يخبو حوالي 600 مرة في الثانية الواحدة، كما أن النباضات تعتبر ميقاتيات ممتازة للوقت، حيث أن نسبة الخطأ فيها لا تتجاوز 0،00006 جزأ من المليون من الثانية و ذلك كل مئة عام أي 0,0000000006 جزأ من الثانية كل 100 عام…النباضات أدق من الساعات الذرية!
يعتقد العديد من العلماء حديثاً أن النجوم النيوترونية قد لا تكون المنابع الوحيدة للنباضات، فيوجد العديد منها في العناقيد الكروية، التي إن تشكلت من مستعرات فائقة فإنها ستتمزق أشلاء، و لذلك هناك نوع من أنواع الشك حول المصدر الرئيسي المشكل للنباض، إلا أن تطور المستعر الفائق لنجم نيوتروني و من ثم نباض هو الأكثر منطقية بالنسبة لنا في الوقت الراهن.
من الجدير بالذكر أن المواضع الكتعلقة بالنباضات كانت سبباً للفوز بجائزتي نوبل، الأولى كانت عام 1974 و أعطيت للفريق الذي اكتشف النباضات في جامعة كمبردج( جوسلين بيل و أستاذها هيويش) و الثانية للعالمان جوزيف تايلور Joseph Taylor و رسل هلس Russel Hulse حيث تمكن هذان العالمان بفضل دراستهما للنباض (PSR1913+16) من اكتشاف أثر ناجم عن الموجات الثقالية، و التي هي تموجات صغيرة في الزمان و المكان سببها قوى جذب ثقالي بين نجمين.
يبقى السؤال…النجوم ذات الكتلة الأكبر من شمسنا بـ (3) مرات…ماذا سيكون مصيرها؟ و كيف ستتصرف في مرحلة ما بعد انتهاء مخزونها الهيدروجيني؟
ابقوا في سلسلة الثقوب السوداء لمعرفة و تحديد ما سيحل بهذه النجوم، و ما هي التحولات الدرامية التي تصيبها بنهاية حياتها.
تحرير: ماريو رحال