إعادة تعريف مفهوم الحرارة
التوصل للقياس الأكثر دقة لثابت بولتزمان
أعلن مجموعة من الباحثين في المخبر الوطني للفيزياء National Physical Laboratory في المملكة المتحدة عن توصلهم لأدق قياس لقيمة ثابت بولتزمان الفيزيائي الشهير.
و في حين أن أثر هذا القياس لن يكون جلياً بالمدى المنظور، إلا أن هذه العملية قد تشكل قفزة كبيرة في إعادة صياغة تعريفنا لمفهوم الحرارة، و ذلك عبر استبدال المفهوم التقليدي و الذي تم استخدامه لأكثر من 50 عام.
القياس الجديد يظهر قيمة لثابت بولتزمان تعادل (98) 1.38065156 *10^23 بواحدة (جول*كلفن) حيث يشير الرقم (98) إلى قيمة الارتياب في القياس في آخر رقمين و هي تعادل معدل مقداره 0.7 جزء من المليون، أي نصف قيمة الارتياب في آخر قياس تم إجرائه.
و بالنسبة لتعريف قيم درجات الحرارة، مثل الكلفن (K) و الدرجة المئوية (C)، فقد تم تعريفها استناداً إلى النقطة الثلاثية للماء – و هي النقطة التي يوجد بها الماء بحالاته الفيزيائية الثلاث: سائل، جليد، و بخار، و بحالة توازن.
هذه الدرجة المعيارية (أي النقطة الثلاثية للماء) تم تحديدها بأنها تعادل 273.16 كلفن و بدقة، و إن كل عملية قياس حرارة نجريها بأيامنا العادية، فهي تمثل فعلياً مقدار برودة أو سخونة الجسم المدروس، تبعاً لهذه القيمة.
و في حين أن عمليات قياس الحرارة تتطلب دقة عالية في العديد من المجالات، فإن تثبيت درجة حرارة واحدة و اعتمادها كمقياس سيشكل مشكلة في عمليات القياس، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقياس درجات حرارة أجسام عالية السخونة أو عالية البرودة.
يقول الدكتور مايكل دي بوديستا، الباحث القائد للمشروع:” كلما ابتعدت عملية القياس لدرجة الحرارة عن درجة النقطة الثلاثية للماء، كلما أصبحت عملية تحديد مقدار سخونة أو برودة الجسم أمراً أصعب، و هذا سيضيف قيم ارتياب إضافية إلى القيم المقاسة”.
و حل هذه المشكلة كان بإعادة تعريف درجة “الكلفن” باستخدام أحد الثوابت الأساسية في الطبيعة، مثل إعادة عملية تعريف واحدة “المتر”، التي انتقلت من تحديدها كطول قطعة معدنية، إلى المسافة التي يقطعها الضوء في الخلاء خلال أجزاء صغيرة جداً من الثانية – تحديداً النانو ثانية.
الاقتراح هنا، كان باستخدام ثابت بولتزمان الشهير، الذي يحدد العلاقة ما بين الطاقة الحركية للجزيئات و درجة الحرارة.
و يوضح الدكتور دي بوديستا ذلك بقوله :” نحن الآن نفهم بأن درجة حرارة أي جسم أو غرض تتعلق بطاقة الحركة للذرات و الجزيئات المشكلة لذلك الجسم، فعندما تلمس جسماً و تشعر بأنه ساخن، فأنت فعلياً تتحسس لرنين اهتزازاته الذرية. التعريف الجديد يقوم بربط درجة الحرارة مباشرةً بهذه الحقيقة الفيزيائية”.
و خلال الدراسة، فإن ما قام به الباحثون (بالتعاون مع جامعة كارنفيلد) هو استخدام مقياس حراري صوتي (Acoustic Thermometry) لبناء التجربة، حيث تم بناء مهتز صوتي يقوم بإجراء عملية قياس دقيق سرعة الصوت عبر غاز الأرغون.
في البداية، قام الباحثون بتبريد المهتز الصوتي لدرجة حرارة النقطة الثلاثية للماء، و بذلك فهم يعرفوا بالتحديد قيمة درجة الحرارة الابتدائية للتجربة، ثم تم ملئه بغاز الأرغون، و الذي تم قياس نقاوة نظائره بدقة.
ثم قاموا باستخدام قيم قياسات سرعة الصوت، من أجل تحديد السرعة الوسطية لجزيئات غاز الأرغون، و بالتالي، المعدل الوسطي للطاقة الحركية، و بهذه القيم التي حصلوا عليها، فقد تمكنوا من تحديد قيمة عالية الدقة لثابت بولتزمان، و إن التوصل لقيم دقيقة للطاقة الحركية، تتطلب أيضاً قياس عالي الدقة لقطر المهتز الصوتي.
و التعاون الذي قام به فريق جامعة كارنفيلد، تمثل بإجراء عملية القياس الدقيق لقطر المهتز الصوتي، حيث قاموا باستخدام كريستالة ألماسية منفردة كأداة للقطع، صنعوا باستخدامها 4 أنصاف كرات نحاسية، و أفضل زوج تم استخدامه، شكل مهتزاً بيضاوياً يمتلك أفضل شكل بأبعاد أقل من 1 من الألف للميليمتر، و تم قياس القطر عندها باستخدام ترددات محددة و التي عندها سينسجم الطول الموجي لأشعة الميكرويف مع المهتز الصوتي، و تم تحديد القطر بارتياب قدره 11.7 نانومتر، و هو معادل ثخانة 600 ذرة متوضعة جنب بعضها البعض.
“هذه التجربة كانت منعشة! و بعد مضي ست سنوات فإننا نشعر بالإنهاك، فكل جانب من جوانب التجربة كان يتطلب دفع العلم و الهندسة إلى أقصى حد ممكن، و بهذا النمط من الأبحاث فإنه يتوجب علينا أخذ الحذر بكاقة التفاصيل، و التي من الممكن أن تؤدي لنتائج خاطئة، و نحن نتطلع قدماً لأن يصبح قلقنا أقل، و استثمار التقنيات التي قمنا بتطويرها و اختراعها خلال مدة التجربة” حسب توضيح الدكتور دي بوديستا.
ترجمة: ماريو رحال
المصدر:
http://phys.org/news/2013-07-accurate-boltzmann-constant.html