رؤية الفيزياء الكلاسيكية للكون الفيزيائي


يمكنكم الاطلاع على الحلقة الأولى من هنا


إنه لمن نافلة القول التأكيد على حقيقة أن رؤية الفيزياء الكلاسيكية للكون الفيزيائي ترتكز بشكل جوهري على الملامح التي رسمتها الرؤية النيوتينية له، والتي يتجلى فيها مفهوم الجسيم المادي بشكل لافت للنظر، فيما شَكَّلَت ما يُمْكن أن يُعتَبر بوصفه العصر الذهبي للفيزياء الكلاسيكية.
بيد أنه يمكن القول أيضا، وكحقيقة مؤكدة، أن هذه الرؤية النيوتينية للكون الفيزيائي لم تكن مُنبتة الجُذور ولا منقطعة الأواصر عن التطورات العلمية السابقة؛ على وجه الخصوص، تلك المساهمات التي أبدعها كوبرنيكوس، وجاليلو، وتيكوبراهي، وكبلر، بل وحتى مساهمات اقليدس وديمقريطس. لدرجة أنه يمكن القول، أنه لولا هذه المساهمات لأولئك الثلة من الفلاسفة الطبيعيين، لما استطاع نيوتن أن يُبدع ذلك الصرح المهيب المسمى بالميكانيكا النيوتينية؛ وحتى لدرجة أنه يمكن القول: أن المساهمة الرئيسية لنيوتن تكمن في توحيده لتلك المساهمات المتناثرة، دون أن يكون في ذلك إغماط لحقه في نسبة ذلك الصرح إليه. لذلك، وكتوطئة لإدراك حجم مساهمة نيوتن وأهميتها، فإننا سوف نتناول فيما يلي، وبشكل موجز، أهم المساهمات التي أدت بشكل مباشر لإخراج النسق النيوتيني لحيز الوجود.
في الحقيقة، تعتبر مساهمة نيكولاس كوبرنيكوس Nicholas Copernicus
(1473– 1543)، هي المساهمة الأولى التي أدت لتطوير نيوتن لنسقه الميكانيكي. فلقد نظر كوبرنيكوس للكون الفيزيائي بوصفه نسقًا شمسي المركزheliocentric، والذي تعتبر فيه الشمس بوصفها مركزا الكون، (وبمنظورنا الحديث هي فقط مركز النظام الشمسي)، وأن الأرض وجميع الكواكب الأخرى تدور حولها. لذلك، فإن نظرية كوبرنيكوس قد شكلت ضربة قاصمة للنسق البطليموسي المهيب الذي سيطر على العقل البشري قرابة ألف عام، والذي تعتبر فيه الأرض بوصفها مركز الكون، وأن الشمس وجميع الكواكب الأخرى تدور حولها.
على أية حال، فإن مساهمة كوبرنيكوس تعتبر بمثابة نقطة تحول تاريخية، ليس فقط لأنها مرتبطة بتحول عميق في رؤيتنا للكون الفيزيائي، ومعارضتها للحس المشترك، ولكن أيضاً لأن جميع معلوماتنا ومعارفنا قد تأثرت بشكل مباشر باكتشافه؛ حيث أنها أدت إلى القول بأن الإنسان ليس هو مركز الكون، وأن الكون في نشأته وتطوره لا يبالي مثقال ذرة بالجنس البشري. وبكلمات أخرى، فإن عظمة كوبرنيكوس لم تكن راجعة فقط إلى كونه قد قال بحركة الأرض حول الشمس، بعكس ما كان يُعتقد من قبل فتلك فكرة افترضها فلاسفة قدماء ولكنها بقيت فكرة يتيمة معزولة، وإنما ترجع عظمة كوبرنيكوس إلى كونه استطاع أن يُشيِّد على هذه الفكرة الجديدة القديمة نظامًا كَونيًا مُتناسقًا مُتكاملاً، أضفى على التصور البشري للكون مزيدًا من النظام والمعقولية وفتح آفاقًا جديدة أمام البحث العلمي والرؤية الفلسفية.
ومن هنا فانه يمكننا القول، أن فرضية كوبرنيكوس كانت اللبنة الأولى في تشييد النسق الميكانيكي النيوتيني، حيث أنها، وبتَحدِّيها للنسق الأرسطو- بطليموسي السائد، قد أدَّت إلى زخم مَعرفي استثنائي والذي ترك بصماته واضحة على تصورات جاليليو، وتيكوبراهي، وكبلر، والتي كان لها حضور مباشر في النسق النيوتيني.
أما المساهمة الأخرى؛ الأكثر أهمية، والتي تُعتبر بمثابة نقطة البداية الحقيقية التي وضعها نيوتن في اعتباره لتطوير نسقه الميكانيكي، فهي تلك التي قام بها جاليليو جاليلي Galileo Galilei (1564ـ 1642) .إنه لمن المعتاد، أن يُنظر إلى جاليليو بوصفه الفيزيائي الكلاسيكي الرئيسي الأول الذي لعب دوراً بارزاً في الثورة ضد الأرسطيةAristotelianism (وهي الحركة المدرسية التي تُنسب تاريخياً لأرسطو)، وعلى وجه الخصوص، فيما يتعلق بمفهومه عن الحركة والسكون، والتي كانت في تعارض تام مع المفهوم الأرسطى.
وفي الحقيقة، فإننا نجد أن أرسطو Aristotle (384– 322 قبل الميلاد) قد ذهب إلى أن جسماً ما يكون في حالته الطبيعية عندما يكون ساكناً، فالأجسام تميل بحكم طبيعتها الداخلية إلى الثبات والسكون. ومن ثم، فإن الحركة لا تُفهم إلا بوصفها نزوعاً إلى حيث الوضع الثابت للجسم، وتلك هي الحركة الطبيعية للجسم؛ أي، التي يحقق فيها الجسم نزعته الطبيعية للسكون في موضعه الطبيعي. ومن ثم، فإن سقوط الأجسام، ولاسيما الأجسام الصلبة، إنما يكون بسبب “الميل” الطبيعي فيها،” وحنينها” إلى موضعها الأصلي. إن الحركة هنا هي علامة على مُحرِّك والذي هو طبيعة الجسم نفسه والتي تحاول رده إلى موضعه الطبيعي. أما الحركة التي يبذل فيها مُحرِّك خارجي قوة على الجسم المتحرك، فهي الحركة العنيفة، والتي يبتعد فيها الجسم المتحرك عن موضعه الطبيعي بشكل قصري استثنائي عن طريق العنف.
وبناء على ذلك، وطبقاً لأرسطو، فإن السكون والحركة لا يُفهمان إلا كمفاهيم متضادة، حيث أن الجسم ذاته هو إما في حالة سكون بحسب طبيعته أو في حالة حركة، لكنه إذا كان في السكون فهو فيه بطريقة مطلقة. علاوة على ذلك، فإن الحركة طبقاً للتصور الأرسطي، هي”الفعل المقترن لمُحرِّك ومُتحرِّك”. ومن ثم، فإنه لا يمكن أن نفكر في الحركة بدون مُحرِّك، وهو الذي يعطيها البداية، ويجعلها تستمر في كل لحظة، ولا يمكننا أن نفكك المحرك من المتحرك في مجرى الحركة. إن محركاً منفصلاً عن محركه ليس، بالتعريف، في حالة حركة، إنه في السكون. ومن ثم فإن فكرة حركة بدون محرك هى فكرة ليس لها أي معنى في التصور الأرسطي.
لكن جاليليو، وعلى العكس من أرسطو، وبتأثير من الروح الكوبرنيكية الجديدة، قد ذهب إلى أن جسماً ما يكون في حالته الطبيعية عندما يكون متحركاً حركة منتظمة، والتي يكون فيها متحرراً من تأثير كل قوة عليه. يقول جاليليو :
“إن الحركة هي حركة، وتؤثر كحركة، بقدر ما هي في علاقة مع أشياء محرومة منها، ولكن بما يخص الأشياء التي تشارك فيها كلها بتساو، فهي لا تؤثر أبداً، وكأنها لم تكن”.
ومن هنا، فإننا نرى أن الحركة، طبقاً لجاليليو، إنما تُنسب لجسم ما عندما تختلف حركة ذلك الجسم عن أجسام أخرى، والتي نعرف عن طريقها حركة الجسم المتحرك، أو”نَرجع” إليها لمعرفة حركته. وحينئذ فإن الجسم، والحالة هذه، يتحرك حركة “غير منتظمة” بالنسبة للأجسام الأخرى، ومن ثم، فإن الحركة إنما تفهم بوصفها علاقة بين جسمين، وليس لها من معنى إلا بالنسبة لآخر قد حُرم منها.إن الحركة حينئذ لا تخص جسماً واحداً معزولاً، حسب التصور الأرسطي، ولكنها علاقة، ليس إلا، بين جسمين يتحركان بالنسبة لبعضهما حركة غير منتظمة. أما بالنسبة للأجسام التي “تتشارك في الحركة بتساو”؛ أي، تتحرك حركة منتظمة بالنسبة لبعضهما البعض، فإنها تعتبر وكأنها ليست في حالة حركة، إنها تعتبر في حالة سكون بالنسبة لبعضها البعض، “فهي لا تؤثر أبداً، وكأنها لم تكن”.
وبناء على ذلك، فإن جاليليو، وبتعريفه للسكون بوصفه حالة من الحركة، والتي تتشارك فيها الأجسام بتساو؛ إنما يقوض الديناميكا الأرسطية، ويخرق تمييزها الأنطولوجي بين الحركة والسكون، حيث أن السكون هو حركة أصبحت “صفرًا” لأن الأجسام فيها تتحرك حركة منتظمة. علاوة على ذلك، فإن فكرة المشاركة في الحركة ذاتها بين جسمين، هى فكرة غير قابلة للتعبير عنها في فيزياء أرسطو، لأن حركتهما تخصهما وحدهما.
ومن هنا، فإنه يمكن القول أن جاليليو قدَّم لنا، ومن خلال نقده للتصورات الأرسطية عن ديناميكا الأجسام، ديناميكا جديدة كانت جوهر القانون الأول لنيوتن عن الحركة، والمعروف بقانون القصور الذاتيThe Low of inertia. (كل جسم يبقى على حالته من السكون أو الحركة المنتظمة في خط مستقيم، إلا إذا أُجبر على تغيير تلك الحالة عن طريق قوى مؤثرة عليه) والذي يكون متضمناً في عبارة جاليليو السابقة. حيث أن الأجسام المتشاركة بتساو في الحركة، تكون حركة كل منها بالنسبة للآخر “كأنها لم تكن” ؛ أي، أن سرعة كل منهما بالنسبة للآخر تكون”صفرًا”. إن ذلك يعني، وبمصطلحات حديثة، أنها تقطع مسافات متساوية في أزمنة متساوية. ومن ثم، فإنها تتحرك حركة منتظمة. وحيث إن سرعة تلك الأجسام بالنسبة لبعضها تكون صفرًا، فإن حركتها المنتظمة لن تكون كذلك، إلا إذا كانت في خط مستقيم، بالشكل الذي تكون فيه متحررة من تأثير أي قوة عليها؛ أي، في غياب المُحرك؛ (وتلك نقيضة أخرى للديناميكا الأرسطية). ومن ثم فإن الجسم المُتحرك سوف يحتفظ بسرعته في كل لحظة بنفس القيمة. وعلى العكس، فإن السرعة التي ليست صفرًا بين الجسمين تنبؤنا عن تغير سرعة الجسم المتحرك بالنسبة للزمن، والتي تُفسَّر بوصفها علامة لوجود مُحرِّك ( أو قوة بتعبير نيوتن ).
وبالإضافة إلى ذلك، فإن معالجة جاليليو لحركة الأجسام قد أدت لظهور مفهوم الأطر المرجعية الجاليلية Galilean reference frames والمعروفة أيضاً بوصفها الأطر المرجعية القصورية Inertial reference Frames؛ والتي تعني، أن الأنساق المتساوية في الرتبة تتحرك بسرعة ثابتة فيما يتعلق كل منهما بالآخر. وفى الحقيقة، فان هذه الحُزمة من الأفكار الجاليلية، لم تلعب فقط دوراً جوهرياً في بناء الميكانيكا النيوتينية، ولكنها لعبت أيضاً دورًا جوهريًا في بناء نظرية النسبية الخاصة Special Relativity التي أبدعها أينشتين Einstein (1879- 1955) في عام 1905م.
وفي الحقيقة فإن مساهمات جاليليو لم تقتصر على وضعه لأسس الديناميكا الجديدة، ولكنها تجاوزتها إلى ترسيخ معالم الرؤية الجديدة للعالم؛ تلك التي كانت متضمنة في نظرية كوبرنيكوس. فلقد أدرك جاليليو أن نظرية كوبرنيكوس تتناقض بشكل سافر مع الميكانيكا السائدة آنذاك، والمُستمدة في جوهرها من منظومة التعاليم الأرسطو بطليموسية. ومن أجل حسم الموقف، فان جاليليو قد قام بصنع التليسكوب ووجهه إلى السماء، لأول مرة في تاريخ البشرية، لعمل ملاحظات تجريبية فلكية. إن النتائج التي كان قد توصل إليها جاليليو، قد أيدت نظرية كوبرنيكوس فيما يتعلق بنموذجه عن مركزية الشمس heliocentric، حيث قرر بشكل واضح أن الشمس هي مركز العالم ومستقره تماماً، كما أن الأرض ليست مركز العالم، وليست ثابتة، ولكنها تتحرك على الدوام حركة يومية. وحينئذ ترسخت نظرية كوبرنيكوس بشكل كبير، وترسخت معها الرؤية الجديدة للعالم.
أما المساهمة الأخرى، والتي كان لها تأثيرًا قوياً على نيوتن، فقد كانت مساهمة تيكوبراهي Tycho Brahe (1546– 1601)، والذي وُلد فقط بعد وفاة كوبرنيكوس بثلاث سنوات. بالرغم من ضعفه كرياضي ونظري فإنه يعتبر بوصفه ملاحظًا رائعًا، وربما من أعظم الملاحظين في كل العصور(من الجدير بالذكر التنويه على أن تيكوبراهي كان معارضاً لمبادئ كوبرنيكوس، بسبب أنه قد اعتبرها مناقضة للفيزياء الصحيحة الثابتة آنذاك والقائمة على تصورات بطليموس. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنه رآها مناقضة للكتاب المقدس فيما يتعلق بالأرض الثابتة المستقرة. ومن ثم، فإن الفكرة الجوهرية في نسق تيكوبراهي: أن الأرض هي مركز الكون وأن الشمس تدور حولها لكن بقية الكواكب الأخرى تدور حول الشمس، وفي الحقيقة فإن التيار الجارف لنظرية كوبرنيكوس وتأييد جاليليو لها قد ابتلع أمامه كل الأفكار المتعارضة معها).
على أية حال، فإن تيكوبراهي قد تمكن، وبدون استخدام التليسكوب، ولكن باستخدام آلة والتى تعرف بالرُّبعية Quadraut، من رسم خريطة دقيقة توضح المواضع الزاوية للكواكب والنجوم بدقة تجريبية هائلة، والتي استمرت لأكثر من عشرين عاماً. وفي الحقيقة فإن أهمية الملاحظات والمعطيات الفلكية لتيكوبراهي، تكمن في كونها قد مكنت جوهانز كبلر Johannes Kepler (1571– 1630) من صياغة القوانين الأمبريقية الثلاثة المشهورة، المعروفة باسمه، والتي تتعلق بفترات دورانات الكواكب في مدراتها حول الشمس.
على أية حال فإنه لمن الأهمية بمكان التأكيد على أن تلك الملاحظات والمعطيات الفلكية لم تكن هي العناصر الأكيدة لقيام الثورة الكبرى في عقول الرجال والتي أدت إلى الصورة الجديدة للكون، ولكنها دون أدنى شك كانت أساس الثورة على تصورنا للكون، على أسس كمية وديناميكية وهي التي مكنت نيوتن من صياغة قانونه العام للجاذبية Universal Law of Gravitation.
ومن هنا، فإنه يمكن القول، أن وفرة هذه الذخائر الفكرية وتراكمها خلال مائة عام فقط قبل نيوتن، أي؛ منذ وفاة كوبرنيكوس في العام 1543وحتى ميلاد نيوتن في العام 1642، قد أدت إلى نشأة الانبثاق الكمي لقوانين الميكانيكا الثلاث عن الحركة على يد السير إسحاق نيوتنSir Isaac Newton (1642– 1727). كما أنه يمكن القول، أن عبقرية نيوتن هي التي أدت إلى ظهور العبارات العلمية الدقيقة؛ أي، قوانين الحركة، بشكل دقيق وبطريقة كمية؛ وهى التي أدت كذلك إلى وضعه لقانونه عن الجاذبية العامة عن طريق توحيده الناجح لفلك كبلر وديناميكا جاليليو، والذي يشار إليه بوصفة الإنجاز العقلي الوحيد الأعظم في جميع العصور(بالطبع فإننا لا يمكننا أن نعول كثيراً على الأسطورة الشائعة القائلة: أن السير إسحاق نيوتن كان قد توصل إلى القانون العام للجاذبية عندما كان مُستلقياً على ظهره تحت شجرة تفاح في ليلة مقمرة، ولاحظ سقوط تفاحة فوق رأسه. حيث أن روبرت هوك Robert Hook (1635– 1703) معاصر نيوتن ومواطنه قد أعلن قبل نيوتن بخمس سنوات عن مبادئ ميكانيكية تحكم حركات تلك الكواكب واقترح في سبيل ذلك قوة عامة للجاذبية)؛ حيث أن، القانون العام للجاذبية لنيوتن يمكن أن تُستخلص منه جميع نتائج الملاحظات التي تلخصها قوانين كبلر، واستخلاص قانون سقوط الأجسام عند جاليليو وكثير غيره من وقائع الملاحظة.
إنه لمن الأهمية بمكان أن نُلاحظ، أن المفهوم المحوري الذي اعتمد عليه نيوتن في تشييده لنسقه الميكانيكي والمتضمن في مجموعة قوانينه، هو مفهوم “الجسيم” النيوتيني، والذي يعتبر بوصفه نقطة مادية، والذي، مثلما يُعزى إليه جميع الخصائص الهندسية الإقليدية المعروفة لمفهوم”النقطة”، فإنه يُعزى إليه أيضاً خصائص ديناميكية وكيناتيكية مختلفة كالكتلة mass، والسرعة velocity، والتسارع acceleration، والقوة force، وطاقة الكمون potential energy (طاقة الوضع energy of position)، والطاقة الكيناتيكية Kinetic energy، (طاقة الحركة energy of motion) ( باعتبار أن الطاقة الكلية للجسم هي المجموع الجبري لهذين الجزأين) وكمية التحرك الخطيةLiner momentum، وكمية التحرك الزاوية angular momentum.
وبناء على ذلك، فإنه يمكننا القول، أن النموذج الجسيمي النيوتيني قد شكل جوهر الميكانيكا الكلاسيكية برمتها، وشكل كذلك الأساس النظري للفيزياء الكلاسيكية برمتها إلى حد بعيد. وعلى أساس هذا النموذج تمت البرهنة على كفاية الميكانيكا النيوتينية الكلاسيكية بوصف والتنبؤ بحركات ومسارات الأجسام التي تكون من الكبر بحيث يمكن رؤيتها بالعين مباشرة. إن هذا يتضمن خبراتنا في الحياة اليومية عن الأجسام الساقطة، والكرات المقذوفة أو المرتدة (ككرات البلياردو)، أو الكرات المتحركة في مسارات منحنية ( ككرة القدم، وتنس المضرب). كما أنها تتضمن أيضًا، وصف والتنبؤ بحركة الكواكب حول الشمس، وحركة القمر حول الأرض، والمسارات المنحنية للمذنبات Comets وحركة الأقمار الاصطناعية، artificial satellites.
ومن المنظور التاريخي، فإن نجاح نظرية نيوتن في فهم حركة الكواكب قد شكل تقدماً فكرياً مفاجئاً، حيث أن جزءاً رئيسياً من بحث نيوتن، والذي خصصه للحسابات التفصيلية المتعلقة بمسارات الكواكب، قد أدى إلى مجال جديد تعمل فيه الميكانيكا الكلاسيكية، فيما يعرف بالميكانيكا السماوية Celestial mechanics (في الحقيقة، فإن الانحراف عن هذه التنبؤات المتعلقة بالميكانيكا السماوية وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالمسار المنحني لكوكب عطارد Mercury قدَّم دليلاً تجريبياً أولياً، على صحة نظرية النسبية العامة لأينشتين في عام 1916). كما أمكن تطبيق قوانين نيوتن على مجالات أخرى، مثل ميكانيكا الموائع Fluid mechanics، وهو المجال الذي يدرس حركات الموائع motions of fluids؛ أي، السوائل والغازات، والذي تستخدم فيه مفاهيم الطاقة وكمية التحرك بشكل واسع. وقد أمكن تطبيق قوانين نيوتن أيضاً، على مجالات أخرى مثل الديناميكا الحرارية Thermodynamics والميكانيكا الإحصائية Statistical mechanics.
وجملة القول فإن النجاحات الهائلة على مختلف الأصعدة للنموذج الميكانيكي النيوتيني، باعتماده مفهوم الجسيم المادي كنقطة ارتكاز، جعلت منه نموذجًا ذي مشروعية كونية. ولكن في الحقيقة فقد بدا أن بعضًا من الظواهر البصرية تتملص من الخضوع للنموذج النيوتيني الجسيمي، وهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في الحلقة التالية.

تأليف و إعداد: د. خالد زهرة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *