سنة 1927، كان دِمتري سكوبيلتسن من معهد لينينغراد متعدد التقنيات يدرس النشاط الإشعاعي مستعملا غرفة غيمية (Cloud Chamber)، أداة تجعل غير المرأي مرأيا. الغرف الغيمية هي أوعية محكمة الإغلاق مليئة ببخار الماء و هو يكاد يتكاثف. عندما تعبر الجسيمات المشحونة ،مثل إلكترون، عبر غاز الغرفة، تقوم بتأيين البخار فيسبب هذا تكون قطيرات من الماء على طول مسارها.
كان سكوبيلتسن يستعمل الغرفة الغيمية مع مغناطيس قوي، مما كان يكشف عن الجسيمات التي تتحرك ببطئ نسبيا في دوائر ضيقة و متحركة. لاحظ رغم ذلك أن بعض المسارات كانت تقريبا مستقيمة، مما يظهر أن لها زخما كبيرا، أكبر بكثير مما يمكن أن يسببه أي مصدر معروف آنذاك. و من غير أن يعلم، أصبح أول شخص يلاحظ بكشل مباشر مسارات الأشعة الكونية.
ثلاث سنوات بعد ذلك، قام كارل أندرسون، تلميذ روبيرت ميليكان، بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بباسادينا ببناء غرفة غيمية محاطة بمغناطيسات جد قوية خصيصا لدراسة الأشعة الكونية. فاندهش باكتشاف مسارات تنحني كأنها إلكترونات ذات شحنة موجبة. كان أندرسون قد اكتشف البوزيترون، مضاد المادة المكافئ للإلكترون، و الذي كان قد تنبأ به سابقا عالم الفيزياء النظرية البريطاني بول ديراك.
البوزيترونات ليست ظواهر غريبة أو خارقة للعادة. باتريك بلاكيت و غيوسيبي أوشياليني أثبتا هذا سنة 1932 عندما اكتشفا أن البوزيترونات تشكل تقريبا نصف الجسيمات المتشكلة عندما يصدم شعاع كوني صفيحة معدنية داخل غرفة غيمية، و يتكون النصف الباقي من الإلكترونات.
قام أندرسون و زميل له بعد ذلك باكتشاف أن بعض المسارات تخترق الغرفة الغيمية بشكل أعمق من الإلكترونات، و لا تترك أثرا مماثلا. كانت تلك المسارات ناتجة عن جسيم يشبه الإلكترون لكن أثقل منه. و كان هذا هو اكتشاف الميون.
البوزترون و الميون كانا أول مجموعة من سلسلة من الإكتشافات التي أظهرت أن الفيزياء الأرضية أخدت بعين الإعتبار جزءا صغيرا فقط من مهرجان الطبيعة الصاخب. بحلول الخمسينيات، كشفت الأشعة الكونية الغطاء عن جسيمات إضافية أخرى و التي لم تستطع النظريات الموجودة تفسيرها.
اكتشف البيون سنة 1947. و على الأقل فإن هذا الجسيم كان قد تُنُبأ بوجوده، على خلاف بقية عائلة الجسيمات “الغريبة” . سجلت هذه السنة انفجارا في مجال اكتشاف الجسيمات الغريبة، باكتشاف الكاون و لامبدا و كسي و سيغما و التي تم اكتشافها على طول الست سنوات التالية.
في سبيل فهم طبيعتها، قام الفيزيائيون ببناء مسرعات الجسيمات، و التي تقوم بتمثيل تفاعلات الأشعة الكونية، لكن تحت ظروف متحكم فيها. و بالتالي أدى اكتشاف الأشعة الكونية إلى مجال فيزياء الجسيمات ذات الطاقة العالية المعاصرة.

المصدر:

New Scientist, October 12 Issue

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *