كون واحد: ما ينبغي أن نقلق بشأنه

مقال لعالم الفيزياء لاورنس كراوس

يمكن ان يفترض المرء ان كوننا نعيش بمجرّة نائية و هادئة في كون يعطي الانطباع بالمحافظة على الرتابة و الرصانة ل 14 بليون سنة بعد الانفجار الكبير ليس مصدرا للقلق.

لكن بفضل دعامتَيْ الفيزياء الحديثة (النظرية النسبية، و ميكانيك الكم) اصبحنا الان اكثر دراية بحقيقة ان المعلومات التي نحصل عليها عن الكون محدودة بقدراتنا الإدراكية و نتيجة الظروف الخاصة التي تحكم كوننا (اي قوانين الكون)، بمعنى اننا نستطيع (و لو نظريا) توصيف ما يكون، لكن لا يمكننا البت بأن ما يكون محدود بما نعرفه او نستطيع ان نعرفه تجريبيا.

فلربما يوجد حدود قصوى لقدراتنا على استكشاف الطبيعة – الشيئ الذي بدا واضحا مع نجاح النظرية الفيزيائية و طريقة التجريب في فهم الكون في ال 50 سنة الماضية – لان هذه القدرات محدودة و متاثرة كثيرا بالاحتمال و بالظروف المحيطة، الشيئ الذي قد يغير الطريقة التي تتطور بها العلوم الأساسية في المستقبل.

بادئ ذي بدء علينا ان نتذكر ان النظريات الفيزيائية الحديثة تقترح ان كوننا على الاغلب ليس مميزا للغاية عكس الانطباع العام المأخوذ عنه، و لربما تقبع اكوان عديدة في مجال خارج عن نطاق ما يمكننا استكشافه، يمكن ان يكون هنالك عدد لا نهائي من الأكوان و كلّ له قوانينه المختلفة و ربما خصائص مختلفة و سلوك مختلف لكل من الزمن و المكان في كلّ منها، هذه ليست مشكلة اذ اننا معنيون الان بفهم هذا الكون و طبيعته.

لكن هذا الكلام مهم اذ يفتح المجال للبصيرة بإدراك ان قوانين الفيزياء هي قوانين يمكن ان تكون احتمالية، بمعنى انه لا يوجد سبب رئيسي و حتمي بكوننا على هذه الشاكلة بهذه الخصائص في هذا الكون، و لكن و كأي عالم أوبئة يدرس حالة اصابة شخص واحد بمرض ما، فان قدرة هذا العالم على توصيف اسباب هذا المرض تكون متواضعة اذ يستحيل معرفة المعافى من المريض بدون وجود حالة معيارية تكون الفرق بين الصحة و المرض، اذ ان اي توصيف مُرْضٍ للمرض يتطلب دراسة حالات عديدة بظروف مختلفة و مقارنة مع الاصحاء و مع مصابين ايضا لتكوين فكرة جيدة عن المرض و هذا بعيد عن المنال ان تناول عالمنا شخصا واحدا فقط، و كذلك نحن بدراستنا كونا واحدا فقط فليس بمقدورنا ان نقول ان القوانين الاساسية التي تحكم كوننا هي معيار ثابت و اساسي يحكم كل الاكوان ام هي حالة خاصة بهذا الكون، مع ذلك يمكن بيوم من الايام ان نأتي بنظرية تشرح و تفسر كوننا هذا بكل ابعاده، لكن من غير المقدور علينا (على الاقل حاليا) ان نعمم هذه النظرية لأي ملكوت يكون خارج الكون التي تفسره النظرية.

و الأمر أسوأ من ذلك، إذا علمنا ان سرعة توسع الكون تتزايد مع الوقت، و هذا يؤدي الى تضييق مجال الرؤية على عدستنا الكونية بسبب تباعد المجرات و الاجرام عن بعضها فيصبح تلقي الضوء الصادر منها اصعب فاصعب و يمكن ان نحرم من رؤية بعض الحوادث و لا يصلنا منها ضوء اطلاقا. و لكن رغم أنني ناقشت الموضوع أمام الكونغرس، و فشلت في إقناعهم بضرورة الإقبال على علم الفيزياء الفضائية الان قبل غد و نحن ما زلنا نتمتع بفرصة المشاهدة التي سوف تؤول الى زوال مع الوقت، فهذا لا يعني بأن من سيأتون بعدنا من علماء لن يكتشفوا روائع الطبيعة بالعمل و الجهد.

حقيقة ان سبب تسارع توسع الكون يمكن ان يكون للأبد عصيا على الفهم. اذا قلنا ان الفضاء الخالي يمتلك او يمثل كمية معينة من الطاقة، فيمكن ان تكون هذه الطاقة المسبب لتسارع التوسع، لكن ما دمنا لا نملك مختبر لاستكشاف هذه الطاقة فالطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي مراقبة تسارع التوسع الكوني مع الزمن. طاقة الفضاء الخالي لها اثر على التسارع لكن لا يمكننا الجزم بان التسارع محكوم بفعل هذا الاثر فقط ام يوجد اثار اخرى تتمخض من عوامل اخرى. مرة اخرى نؤكد اننا لا نملك القدرة على المقارنة مع اكوان اخرى و ملاحظة الفرق.

على كل بما اننا في حالة قلق فحتى الاكتشافات المذهلة كاكتشاف Higgs Boson يمكن ان يثبط العزيمة، فنحن لم نر سوى بوزون هيجز لحد الآن، بينما النموذج العياري يشمل عددا كبيرا من الجسيمات العجيبة، و هنالك أفكار فيزيائية عديدة تم اقتراحها كتفسير، و العديد من هذه الأفكار تتوقع ظهور فيزياء جديدة من رحم مسارع الهادرونات الكبير LHC. لكن ماذا لو لم نجد شيئا آخر غير الهيجز؟ في هذه الحالة لن نجد مخرجا لتفسير الألغاز التي يطرحها النموذج العياري. و إذا لم تعطف علينا الطبيعة، فقد تكون الحلول على بعد و مستوى طاقي لا نستطيع الوصول إليه، إما بسبب قيود عملية، أو بسبب ضيق أفق بعض السياسيين.

فلربما ينتهي بنا المطاف بالجدل حول ما هو ممكن ان يكون بدلا من اكتشاف ما يكون من ظواهر فيزيائية بالتجربة. على كل يبقى الكون مكانا للغرابة و الجمال و اثارة التساؤلات و لازال امامنا الكثير من التساؤلات لنحلها، و في كل مرة فتحنا فيها نافذة كونية، نجد أنفسنا مندهشين، و هنالك نوافذ كثيرة تنتظر أن تفتح. و اعتدنا دوما ان تكون عملية فتح النوافذ الفكرية و حل التساؤلات مصدر دهشة و غبطة و من المؤكد ان القلق يساعد العقل بان يتمتع بالحالة الذهنية لحل تلك المشاكل.

و في الختام، ينبغي أن أشدد على أنني لا أعتقد أن هذه الحدود الممكنة ستؤدي إلى نهاية العلم أو نهاية الفيزياء، فهنالك ما يكفي من الظواهر المحيرة في الكون لتشغلنا لوقت طويل.

ترجمة: Darth Vader

مراجعة: منير عفيفي

المصدر: http://www.edge.org/response-detail/23816

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *