9يوليو 2013 – قبل الانفجار الكبير “بيغ بانغ”، الزمكان كما نعرفه على هذا الشكل لم يكن موجودا. ولكن كيف ولد؟ تمت دراسة لعملية خلق زمكان عادي من حالة سابقة تهيمن عليها الجاذبية الكمومية، استمرت الدراسة لسنوات من قبل النظريين في كلية الفيزياء في جامعة وارسو. التحليلات الأخيرة تشير إلى استنتاج مذهل: ليس كل الجسيمات الأولية تخضع لنفس الزمكان.

منذ عدة مليارات من السنين، في العصر التالي مباشرة للانفجار الكبير، كان الكون كثيفا جدا وحارا جدا الى حد أن الجسيمات الأولية استشعرت وجود الجاذبية بقوة. على مدى عقود،كان علماء الفيزياء في جميع أنحاء العالم يحاولون اكتشاف قوانين الجاذبية الكمومية التي تصف هذه المرحلة من تطور الكون. اقترح مؤخرا ، فريق البروفيسور جيرزي يفاندوفسكي في كلية الفيزياء، جامعة وارسو(FUW) ، نموذجه الخاص من الكون الكمي. ان الدراسات الحديثة لهذه الخصائص،التي نوقشت خلال المؤتمر الدولي العشرون 20 عن النسبية العامة والجاذبية (GR20)، والتي تعقد في وارسو بالتزامن مع مؤتمر “امالدي إدواردو”العاشر 10 عن موجات الجاذبية (Amaldi10)،كانت مفجأة جدا الباحثين. التحليلات التي يقوم بها البروفيسور يفاندوفسكي مع تلميذه الطالب في الدكتوراه “أندريا دابور” تبين أن الجسيمات الأولية المختلفة “تختبر” وجود زمكانات مختلفة.

يطلق على احد المحاولات لوصف الجاذبية الكمومية اسم “حلقة الجاذبية الكمومية (LQG) . تفترض هذه النظرية أن الزمكان يشبه هيكليا إلى حد ما “النسيج”: وينكون من عدد كبير من ألياف صغيرة جدا والمتشابكة في حلقات. ان حقلا بمساحة سنتيمتر مربع واحد قد يحوي مليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون (10 ^ 66) من تلك الألياف.

قبل ثلاث سنوات، وضعت مجموعة الأستاذ يفاندوفسكي نموذجا رياضيا ثابتا من LQG يجمع بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة. ويفترض هذا النموذج وجود حقلين متفاعلين. احدهما هو حقل جاذبية، والذي يمكن تحديده بفضاء، (اذ انه وفقا لنظرية النسبية العامة، الجاذبية تحني الزمكان، وهذا المنحنى الزمكاني يؤدي إلى آثار جاذبية). والحقل الثاني في النموذج هو حقل (العددية) الذي يعين رقما محددا لكل نقطة في الفضاء. يتم تفسير هذا الحقل كأبسط نوع من المادة.

الصورة الواقعية التي وضعت مسبقا في النموذج من قبل علماء الفيزياء من جامعة وارسو هي الكم، ولها خصائص مختلفة جدا عن تلك التي نتعامل معها كل يوم في عالمنا.
يقول البروفيسور يفاندوفسكي :”في هذه الحالة، يبدو من الطبيعي أن نسأل: كيف للزمكان المعروف منا جميعا، الخروج من الحالات الاولية للجاذبية الكمية؟ وبما ان الزمكان العادي سيولد كنتيجة للتفاعل بين المادة و جاذبية الكم ، هل يمكننا أن نكون على يقين من أن كل نوع من المادة يتفاعل حتما مع زمكان لديه نفس الخصائص؟ “.

للعثورعلى إجابات لهذه الأسئلة، استمد أصحاب النظريات في البداية أنماطا من التفاعل بين تأثيرات الجاذبية الكمومية والمادة، لاثنين من أبسط الحالات رياضيا: جزيئات كتلتها الباقية “صفرا” وبكل بساطة، جزيئات كتلتها (العددية) الباقية ” ليست صفرا”.
في النموذج القياسي، الذي يصف الجسيمات الأولية وتفاعلاتها وفقاً للفيزياء الحديثة، فإن الجسيمات العديمة الكتلة ستكون “الفوتونات”. و الجزيئات ذات كتلة (عددية) باقية ليست صفرا ( اي ان لديها كتلة) – وفقاً لِ”بوسون هيغز” الشهيرة- المسؤولة عن اعطاء كتلة للجسيمات الأخرى قد تكون : الكواركات والإلكترونات، ميونات، طاؤوس والنيوترونات المرتبطة بها.

بعد اشتقاق المعادلات التي تمثل سلوك الجسيمات وفقا لقوانين نموذج الجاذبية الكمومية، بدأ الفيزيائيون في FUW بالتحقق ما إذا كانت المعادلات المماثلة يمكن الحصول عليها باستخدام الزمكان العادي مع توازيات مختلفة . وقد تبين ان هذا ممكنا بالنسبة للجسيمات العديمة الكتلة. حيث جاءت خواص الزمكان مشابهة، أي أن الزمكان كان له نفس الخصائص في جميع الاتجاهات.

ويوضح البروفيسور يفاندوفسكي :”وفقا لابسط نموذج قمنا بالبحث فيه، وبغض النظر عن ما إذا كان الفوتون اكثر أو أقل زخماً ، اكثر طاقة أو أقل ، فالزمكان سيبدو هو نفسه في كل الاتجاهات”.

كان الوضع مختلفا بالنسبة للجسيمات التي لها كتلة. ان وجود كتلة يفرض حالة إضافية محددة على النظرية. أظهر علماء الفيزياء من FUW أن الزمكان الكلاسيكي، الذي له نفس شرط الكتلة ونفس الخصائص في كل الاتجاهات، هذا الزمكان لا يمكن بناؤه. ولا يمكن ايجاد الزمكان المناسب الا بين زمكانات متباينة الخواص. افضل اتجاه لهذه الزمكانات هو حركة اتجاه الجُسَيم.

يقول طالب دكتوراه أندريا دابور: “الجسيمات ذات الكتلة لا تخضع فقط لزمكانات مختلفة مثل الفوتونات، ولكن كل منها ترى نسختها الخاصة من الزمكان وهذا وفقا للاتجاه الذي تتحرك به. هذا الاكتشاف يدفعنا حقاً الى الدهشة”.

هل يعني هذا الاكتشاف الأخير أن عالم “الجسيمات ذات كتلة” ليس بذي خواص؟ ان تأكيدا كهذا يشكل أهمية كبيرة من الناحيتين التجريبية والرصدية. ومع ذلك، فإن الجواب هو لا، لا يملك الكون اتجاها مفضلا. اننا كمراقبين نقوم بدراسة سلوك الجسيمات الأولية، فنحن انظمتنا كلاسيكية اكثر منها كمية، وبما معناه أننا “خارج” عالم الجزيئات.

فاذا ليس من المهم ما يختبره كل جسيم ضمن زمكانه الخاص. بغض النظر عن اتجاه الرحلة، فإن كل الجسيمات التي سجلت في المختبر ستحمل بالضبط نفس الخصائص. لهذا السبب، فان تأكيد التوقعات النظرية عبر التجارب من قبل فريق FUW لن يكون ابدا بالمهمة التافهة.

تم تمويل عمل فريق البروفيسور ليفاندوفسكي من خلال المنح المقدمة من وزارة البولندية للعلوم والتعليم العالي والمركز الوطني للعلوم البولندية.

ترجمة :  إليو خوري
مراجعة: Jamal Novelty

المصدر :
http://www.sciencedaily.com/releases/2013/07/130709115344.htm

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *