مقال بحثي عن مفارقة الجد

هل تخيلت نفسك يوما مسافرا عبر الزمن؟ ماذا لو حدث أن عدت إلى الماضي و تسببت، عن طريق الخطأ ربما، في مقتل جدك قبل أن يولد والدك؟ ماذا سيحدث في هذه الحالة؟ هذه المفارقة، المسماة “مفارقة الجد”، هي إحدى الأسباب التي تجعل البعض مقتنعين باستحالة السفر عبر الزمن، أو إلى الماضي بالخصوص، نظرا للتناقضات التي تؤدي إليها إمكانية التأثير في الماضي بحيث يصبح الحاضر الناتج عنه مستحيل الحدوث، و بذلك تنتفي إمكانية الرجوع لتغيير الماضي و نقع في دائرة مفرغة.. و لكن السفر عبر الزمن يبدو ممكنا حسب نظرية النسبية العامة لآينشتاين، و هنالك حلول نظرية تم اقتراحها لتلافي التناقض المترتب عن مفارقة الجد أو ما شابهها.

ففي دراسة حديثة اقترح فريق من العلماء نظرية جديدة للمنحنيات شبه الزمنية المغلقة (Closed Timelike Curves سوف نرمز لها ب م.ز.م. .C.T.C) قد تحل مفارقة الجد، و قاموا بتجربة تبين كيفية عملها. الباحثون بقيادة سيث لويد من معهد إم آي تي (معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة)، مع علماء من المدرسة العليا للأساتذة في بيزا بإيطاليا، و معهد طوكيو للتكنولوجيا، و جامعة تورونتو بكندا، نشروا دراسة في موقع the physical review letters. المفاهيم المعتمدة في هذه الدراسة مشابهة لدراسة سابقة نشرها بعض هؤلاء الباحثين في موقع arXiv.org العام الفارط.
——————————-
يقول لويد “نظرية النسبية العامة لآينشتاين تدعم ال م.ز.م. (.C.T.C), و قد تجادل الباحثون لعقود حول الطريقة التي يمكن بها معالجة هذه المنحنيات من منظور كمّي، و نحن نعتقد ان نظريتنا تقدم النموذج الصحيح لهذه المنحنيات شبه الزمانية، و هي ايضا توضح كيف يصبح السفر عبر الزمن ممكنا حتى في حالة عدم وجود ال م.ز.م التي تنبأت بها نظرية النسبية العامة”.

في النظرية الجديدة يتم افتراض أن ال م.ز.م (.C.T.C) تتصرف كقنوات كمية مثالية، كتلك المعنية بالنقل الآني (Teleportation). في هذه النظرية، المنحنيات شبه الزمنية المتسقة ذاتيا (اي المنحنيات التي لا تؤدي الى حالة اشكالية كالمطروحة في مفارقة الجد) يتم انتقاؤها بَعْدِيا و تدعى م.ز.م المنتقاة بَعْدِيا (.P-C.T.C). و يشرح العلماء ان هذا الطرح مختلف تماما عن طرح العالم ديفيد دويتش المقبول عموما في معالجة المنحنيات شبه الزمنية المغلقة, حيث يحافظ المسافر في منحنيات دويتش على الاتساق الذاتي (الانف شرحه) من خلال السفر الى ماض غير الذي يتذكره، بينما في ال م.ز.م المنتقاة بَعْدِيا (.P-C.T.C) يذهب المسافر الى الماضي الذي يتذكره بالذات.

صحيح ان عملية الانتقاء البَعْدي للمنحنيات شبه الزمنية تبدو معقدة لكن يمكن البحث فيها عن طريق المحاكاة المعلوماتية في المختبر، بارسال كيوبيت “حي” (اي بِيتْ كمي في الحالة 1) بضعة أجزاء من البليون من الثانية إلى الوراء في الزمن، ليحاول قتل نفسه في الماضي (اي لينقلب الى الحالة 0)، و قد بين العلماء أن الفوتونات التي لا تقتل نفسها هي وحدها التي تستطيع أن تسافر في الزمن.

يقول لويد “م.ز.م المنتقاة بَعْدِيا (.P-C.T.C) تعمل عن طريق الإسقاط الخارجي لجزء من الحالة الكمية” و يكمل شارحا “طريقة اخرى للتفكير بالمنحنيات شبه الزمنية المغلقة هي كما يلي: في الفيزياء الكلاسيكية (حيث لا توجد منحنيات شبه زمنية مغلقة) يكفي تحديد حالة النظام في الماضي (سرعة ابتدائية، قوى مؤثرة، حامل، جهة، طبيعة حركة…) و قوانين الفيزياء كفيلة بتحديد كيفية تطوره في المستقبل. بينما في حالة وجود المنحنيات شبه الزمنية المغلقة ينهار هذا النموذج: الحالة في الماضي مع قوانين الفيزياء لا تكفي لتحديد الحالة في المستقبل، اذ يجب تحديد الشروط النهائية التي سوف يصل لها النظام، بالإضافة إلى الشروط الأولية. في الحالة التي بين أيدينا، هذه الشروط النهائية تحدد حالة النظام حينما يدخل المنحنى شبه الزمني المغلق في المستقبل. هذه الشروط النهائية هي ما يسقط جزء من الحالة الكمية إلى الخارج كما وصفنا أعلاه.”

و يكمل:
“على الرغم من أننا نحتاج ل م.ز.م. (.C.T.C) حقيقية كما تحددها نظرية النسبية لفرض ظروف نهائية، يمكننا القيام بمحاكاة معلوماتية لكيفية عمل هذه المنحنيات عن طريق تحديد الظروف الأولية، و ترك النظام يتطور، ثم القيام بقياسات. إحدى النتائج الممكنة تتطابق مع الظروف النهائية التي نود فرضها. كلما حدثت تلك النتيجة بالتحديد فكل ما حصل خلال التجربة حتى تلك النقطة سيكون كما لو أن الفوتون قد عاد إلى الماضي و حاول قتل نفسه. و حينما ‘ننتقي’ تلك النتيجة بَعْديا، ستكون التجربة مماثلة لمنحنى شبه زمني مغلق حقيقي.

ليبرهنوا على ذلك، خزن العلماء كيوبيتين في فوتون واحد، أحدها يمثل الكيوبيت المسافر إلى الأمام، و الآخر الكيوبيت المسافر إلى الوراء. الأخير لن يكون بمقدوره المرور عبر القناة الكمية (م.ز.م. .C.T.C) إلا إذا انتهى المنحنى شبه الزمني المغلق بإسقاط الكيوبيتين المتشابكين في نفس الحالة.

بعد أن يتم شبك الكيوبيتين، يتم قياس حالتيهما بواسطة كيوبيتين فاحصين. بعد ذلك يتم إطلاق “مسدس كمي” على الكيوبيت المسافر للأمام، ما قد يؤدي إلى تغيير استقطاب الكيوبيت، حسب زاوية المسدس. حالتا الكيوبيتين يتم قياسهما مرة أخرى لمعرفة ما إذا كان المسدس قد قلب استقطاب الكيوبيت المسافر إلى الأمام أم لا. إذا كان الكيوبيتان على نفس الحالة (00 أو 11)، فهذا يعني أن المسدس لم يقلب الاستقطاب و أن الفوتون قد “نجى”. أما إذا كانت حالتا الكيوبيتين مختلفة (01 أو 10)، يكون الفوتون قد “قتل” نفسه في الماضي. نتائج التجربة بينت أن حالتي الكيوبيتين تكون متماثلة جل المرات، ما يبين أن الفوتون لا يستطيع قتل نفسه في الماضي.
العلماء يشددون على أن التجربة لا تستطيع تحدد ما إذا كان م.ز.م. حقيقي يعمل حسب هذه النظرية بالفعل، لأننا لا نعلم إن كانت المنحنيات شبه الزمنية المغلقة موجودة أصلا. و سيقومون بتجارب أخرى في المستقبل لفهم المفارقات الزمنية بشكل أفضل.

“نريد القيام بما يسمى تجربة ‘مفارقة المبرهنة غير المثبتة’، حيث المسافرة في الزمن ترى إثباتا رائعا لمبرهنة في كتاب في الحاضر، و تسافر الى الماضي و تعرض البرهان على عالم رياضيات، الذي يدرج البرهان في الكتاب الذي هو في طور تأليفه. الكتاب بالطبع هو نفسه الذي أخذت منه المسافرة في الزمن الإثبات. من أين أتى البرهان إذن؟ نظريتنا لها توقع (للماضي و المستقبل) نود اختباره تجريبيا”.

المصدر:
http://phys.org/news/2011-03-grandfather-paradox.html

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *