كم تدوم لحظة؟

سؤال مدوخ.. لا تستطيع الفيزياء الإجابة عليه بالإطلاق، و لكن فقط تحت ضوء النظريات الحالية. و في هذا الإطار، الإجابة واضحة: اللحظة الحاضرة تدوم 5،4 ضرب 10 أس (44-) (أي 5،4 مقسوما على 100.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000) ثانية! لنفهم من أين جاء هذا الرقم، يجب أن نعلم أنه بالنسبة للفيزيائي، مدة اللحظة الراهنة هي أصغر مجال زمني غير قابل للقسمة يمكن تصوره نظريا للقيام بتجربة أو مراقبة ظاهرة ما. و بالنسبة لنظرياتنا، فأصغر مجال زمني قابل للتصور هو “زمن بلانك”، نسبة لعالم الفيزياء الشهير ماكس بلانك، و هو يمثل “الذرة” النظرية للزمن. باختصار: من المستحيل أن نتصور الآن تجربة تدوم أقل من زمن بلانك. ما يدعونا إلى تمثيل تدفق الزمن كتراصف لعدد ضخم من أزمنة بلانك، مثل تراصف أحجار دومينو على طول خط ما. وفق هذه المقارنة، فالثانية تتركب من 2 ضرب 10 أس 43 (2 تليها 43 صفرا) قطعة دومينو من أزمنة بلانك متجاورة. هل من المستحيل أن نجد زمنا أقصر؟ في الواقع لا شيء يمنعنا من تخيل فوتون يتحرك في مدة تساوي نصف زمن بلانك! حسابيا لا يمثل ذلك أي مشكلة: نصف زمن بلانك هو 2،7 ضرب 10 أس (44-) ثانية، و إذا أخذنا سرعة الفوتون أي 3 ضرب 10 أس 8 مترا في الثانية، نجد، بواسطة قاعدة ثلاثية بسيطة، أن الفوتون قد تحرك مسافة 0،81 ضرب 10 أس (35-) مترا.

نظريات فيزيائية متضاربة

المشكلة هي أن معادلات النظريات الفيزيائية الحالية لا يمكن حلها بالنسبة لمسافات أقل من 1،62 ضرب 10 أس (35-) مترا. على ما يبدو، فالثغرات في نظرياتنا مترابطة منطقيا. من أين تأتي المشكلة؟ من التضارب الشهير بين نظرية النسبية العامة، المعنية بالجاذبية، و نظرية الكم، التي تصف القوانين الفيزيائية على مستوى الجسيمات، حيث نجد أن الصيغ الرياضية للنظريتين غير قابلة للانسجام، بحيث لا نستطيع التعرف على اللامتناهي في الصغر و اللامتناهي في “الثقل” (ذي كتلة كبيرة جدا) في الآن ذاته. باختصار، “الدقة” الزمكانية لما يمكن أن نسميه “النسبية الكمية”، و هي نظرية هجينة غير مستقرة مركبة من النظريتين، هي 1،62 ضرب 10 أس (35-) مترا، و 5،4 ضرب 10 أس (44-) ثانية. لكي نتجرأ على النزول أكثر من ذلك، ينبغي أن ننتظر استكمال نظرية مثل نظرية الأوتار، و هي السبيل الأكثر تقدما نحو حل التناقض بين العمودين الأساسيين في الفيزياء الحديثة، أو التوصل إلى “نظرية كل شيء” الافتراضية. حينذاك سنتحدث مرة أخرى عن الزمن الراهن، و عن قيمة مدته الحقيقية.

عدد خاص من المجلة العلمية الفرنسية Science & Vie، دسمبر/كانون الأول 2007، صفحة 5، عنوان المقال: Quelle est la durée du temps présent?

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *