يسمح الكربون 14 بتحديد عمر دقيق للمتحجرات والمومياءات، وكذلك للهياكل العظمية التي يعثر عليها الأركيولوجيون، إنه تطور مذهل نحو معرفة أصولنا. لكن كيف يتم استخدام هذه الطريقة؟ وهل يمكن فعلا الثقة بها؟

لقد كان ويلار ليبي Willard Libby هو من قام بضبط وإحكام تقنية التأريخ بالكربون 14 ، وقد مُنح لاكتشافه هذا جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1960 ، وهذا ببساطة مبدأ وأساس التقنية:

1 – عندما تدخل الجسيمات الكونية (النيوترونات) إلى الغلاف الجوي فإنها تصطدم بذرات الآزوت، خلال هذا الاصطدام تفقد ذرة الآزوت بروتونا وتتحول إلى كربون 14 ، وذرة الكربون 14 ليست مستقرة؛ فهي تفقد نيوترونات بمرور الزمن، إنها ذرة مشعة.
2 – الكربون المشع يتفاعل مع الأوكسجين لتكوين ديوكسيد الكربون، ونسبته ثابتة؛ حوالي 1.2 بالمئة من الكربون الموجود في الغلاف الجوي، النسبة الباقية مكونة في أغلبها من الكربون 12 الذي هو النظير الطبيعي للكربون l’isotope normal.
3 – الكربون المشع يتم امتصاصه بالتنفس من طرف النباتات التي تستخدمه في نموها بفضل التركيب الضوئي، وطيلة فترة حياتها تستمر النبتة في امتصاص الكربون 14 الذي تبقى نسبته ثابتة (حوالي ذرة كربون 14 واحدة لكل 750 مليار ذرة كربون 12).
4 – عندما تموت النبتة فإن مخزونها من الكربون 14 لا يتجدد، ومسلسل التحللات الإشعاعية لا يتوقف، وهكذا تتناقص بشكل مستمر نسبة الكربون 14 الموجود في النبتة.
5 – الحيوانات والناس الذين استهلكوا نباتات تحتوي أجسادهم هم أيضا على الكربون 14 بنفس المعدل، ويخضعون بالتالي للظاهرة نفسها.
6 – عندما نحدد كم تبقى من الكربون 14 في عينة ما، نستطيع أن نحدد أيضا عدد التحللات الإشعاعية التي تمت ابتداء من المعدل الطبيعي (الكمية الأصلية)، وبالتالي نحدد تاريخ وفاة النبتة أو الحيوان.

في ماذا يفيد هذا؟
التأريخ بالكربون 14 له تطبيقات عديدة، يمكن أن يتجه التفكير إلى الأركيولوجيا، وذلك للتأريخ للمتحجرات وللأشياء المتعلقة بفترة ما قبل التاريخ، بل لقد أثبتنا بواسطة الكربون 14 بأن الكفن المقدس بطورينو (مدينة ايطالية) والذي يعتقد أن المسيح كُفِّنَ به أثناء دفنه، قد تمت خياطته ما بين سنة 1260 و 1390 بعد الميلاد. يسمح أيضا تحليل الصخور البركانية أو المياه الجوفية بدراسة تردد الثورات البركانية وجريان المياه.

ما الذي يمكن أن نؤرخ له؟
نحتاج إلى عينات من 5 ميليغرام إلى 2 غرام حسب طبيعة المادة المفحوصة، وحسب حالة حفظها (درجة سلامتها). مبدئيا كل شيء يحتوي على الكربون العضوي يمكن التأريخ له بهذه الطريقة: الرواسب البحرية، الشعاب المرجانية، الخشب، العظام، الفحم، لفائف المومياءات (وذلك لأنها مكونة من ألياف الكتان)…

الكربون 14 قابل للإستخدام للتأريخ لمواد يعود عمرها إلى ما بين 500 سنة و 70000 سنة تقريبا، لا يمكن، إذن، البتة التأريخ لمتحجرات تعود للدينصورات، والتي انقرض آخرها منذ حوالي 65 مليون سنة، بالنسبة لهذه المواد القديمة، أو المواد الحديثة، أو المواد التي لا تحتوي على كربون، توجد العديد من الطرق الأخرى يمكن استخدامها في عملية التأريخ بالإشعاع (أورانيوم، بوتاسيوم…) أو بطرق أخرى (التيرموليمينيسونس thermoluminescence أو التأريخ بالاكتساب الحراري للكريستال، الدوندروكرونولوجي dendrochronologie أو التأريخ بحلقات الخشب، الأركيومانييتيزم archéomagnétisme أو التأريخ بآثار الحقل المغناطيسي …)

كيف نعرف بأي سرعة يتحلل الكربون 14 ؟
كل ذرة مشعة تتحلل حسب مدة زمنية معطاة معينة، وكلما كانت الذرة غير مستقرة كلما زادت سرعة تحللها، إحصائيا نعتبر أن عمر النصف للكربون 14 يقدر ب 5730 سنة (أكثر من ذلك أو أقل ب 50 سنة)، هذا يعني أنه بمرور 5730 سنة لن يتبقى سوى نصف ذرات الكربون 14 من المجموع الذي كان في البداية، لكن لننتبه لهذا الأمر: لن تختفي كل ذرات الكربون 14 بعد 11460 سنة، لأن منحنى التحلل منحنى فريد؛ فبعد أن يكون سريعا في البداية، يشرع في التباطؤ بشكل متواصل مع استمرار اختفاء الكربون 14 .

بعد 75000 سنة تصبح كمية الكربون 14 ضعيفة جدا ليكون ممكنا رصدها، وفي هذه الحالة يجب أن نستخدم طرقا أخرى في التأريخ.

هل التأريخ بالكربون 14 طريقة مؤكدة ويمكن الثقة بها؟
مشكلة هذه الطريقة أنها تعتمد على فرضية تقول بثبات معدل الغاز الكربوني في الغلاف الجوي، في حين شهد الغلاف الجوي بعض التغيرات الطفيفة على مر الزمن (كثافة الإشعاعات الكونية، حركة مياه المحيطات…) وبشكل خاص منذ انفجار العصر الصناعي، حيث زادت نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي. العديد من المتغيرات يمكن أن تجعل عملية التأريخ خاطئة، هكذا فالأشجار التي تنمو على طول طريق سيار تمتص الكثير من الكربون الطبيعي الصادر عن الغازات العادمة، لأن هذه الأخيرة لا تحتوي على الكربون 14 ، وبالتالي تكون نسبة الكربون 14 في هذه الأشجار ضعيفة مقارنة بالمعدل الطبيعي، وتبدو أحيانا بأنها أقدم بـ 12000 سنة، لذلك يقوم العلماء بإعداد “منحنيات ضبط وتصحيح” لأخذ هذه التغيرات بعين الاعتبار.

سيلين دوليزارش، الانترنيتي/ علم – تكنولوجيا
Céline Deluzarche, L’Internaute / Science – Technologie

ترجمة: علي يسار
تصميم و ترجمة الصورة: منير عفيفي

المصدر:
http://www.linternaute.com/science/technologie/comment/06/carbone-14/carbone-14.shtml

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *