معضلة الفيزياء الكمومية

هل يستطيع أحد القول أنه لم يواجه صعوبة في فهم و إدراك معاني الفيزياء الكمومية؟ هل يستطيع أحد الادعاء أنه مستوعب بشكل كامل لمعادلات الفيزياء الكمومية؟ حقيقةً لا نعتقد ذلك، خصوصاً حين نستعين بالقول الشهير لريتشارد فاينمان “لا يمكنك فهم الميكانيك الكمومي…عليك فقط أن تتقبله كما هو”…

فما هو سبب غرابة الفيزياء الكمومية، و الميكانيك الكمومي؟ و لماذا يواجه معظم الأشخاص، صعوبةً في استيعاب مفاهيم الفيزياء الكومية؟

في الحقيقة، هناك عدة أسباب رئيسية، تتعلق بغرابة و صعوبة الميكانيك الكمومي:

– الفيزياء و الميكانيك الكمومي، بدآا فعلياً مع نموذج بور لذرة الهيدروجين، عندما فسر بور عملية انتقال الالكترونات بفكرة “سويات الطاقة”، و منذ ذلك الحين، بدأت المعادلات تظهر للعالم، و التي أشهرها معادلة هايزنبرغ في الارتياب، و التي تنص على أنه يستحيل أن يتم تعيين موضع و سرعة جسيم ما بنفس الوقت و بدقة عالية، وهو المبدأ الأساسي في غرابة الميكانيكي الكمومي، إذا نستنتج من هذه المعادلة أن العالم الذري و ما دونه محكوم بالاحتمالات و الصدف! و لو تابعنا تطور الميكانيك الكمومي، سنجده قائم على المعادلات الرياضية، و التي يتم استنتاج التفسير الفيزيائي منها، بمعنى آخر، نحن نعتمد على قوة الرياضيات، و صحة معادلاتها، في تفسيرنا للكون و العالم الذي نعيش فيه، و بالنسبة للفيزياء الكمومية، و الميكانيك الكمومي، فإن معظم العلماء يعتبرون أن الرياضيات مستحيل أن تخطأ، و بالتالي مهما كانت حلول المعادلة غريبة، أو غير منطقية، فهي صحيحة!
و أحد الأمثلة الشهيرة على الموضوع هو معادلة بول ديراك، و التي كانت أساساً لتوصيف سلوك الجسيمات الذرية، و فيما بعد، لاحظ ديراك أن للمعادلة حل آخر، يعطي تفاصيل لجسيمات بنفس الخواص، و نفس السلوك، و لكن بإشارة معاكسة، و هو ما تم تفسيره فيما بعض بالمادة المضادة! و بهذه الحالة، فإن معادلة ديراك قد أعطت توصيفاً لجسيم موجود، تنبأت به الرياضيات قبل اكتشافه تجريبياً، و بالتالي، فإن فهم الميكانيك الكمومي، و الفيزياء الكمومية، يعتمد بصورة كبيرة، على فهم الرياضيات، و القدرة على حل معادلاتها…هذه المشكلة الأولى

– المشكلة الثانية المتعلقة الفيزياء الكمومية، أنها شق علمي، يستخدم لتوصيف سلوك و خواص الجسيمات الذرية، و ما دونها، و بينت المعادلات، و التجارب المتلاحقة، أن سلوك الجسيمات الذرية لا يسلك أبداً السلوك الذي تسلكه الأجسام الكبيرة بالعالم المرئي، و هنا تكمن المشكلة، فعندما نريد فهم تجربة صدم مثلاً، نستطيع فوراً توقع نتيجة الصدم، تبعاً لسرعة الجسيمين، و كتلة كل منهما، و بالتالي تحديد نوع الصدم الناتج، و جهة الارتداد لكلا الجسيمين، و لكن بحالة الميكانيك الكمومي، فإن مسائل الصدم، لا تنطبق عليها نفس القوانين، بسبب صغر طاقة الجسيمات، و بسبب سرعاتها الكبيرة جداً التي تقرب من سرعة الضوء، و بالتالي، لا نستطيع أن نسقط تفسيرنا المرئي في عالم ذري…و هذا الأمر ينطبق على جميع المسائل الأخرى، فمن أجل فهم الميكانيك الكمومي بشكل أوضح و أفضل، علينا أن نتخلى عن قناعاتنا و مشاهداتنا اليومية في العالم المرئي، و نستعد لتقبل عالم آخر، بخصائص أخرى، و قوانين أخرى.

حتى اليوم، لا يزال العديد من العلماء يستخدم مصطلحات “الغريب”، “السحري”، “الغامض”، عندما يراد وصف الفيزياء الكمومية و الميكانيك الكمومي، و على الرغم من مرور أكثر من 100 عام على بداية هذا الشق الرائع من الفيزياء، و على الرغم من تقدم المعادلات و النظريات و التجارب بشكل كبير، إلا أننا إلى اليوم، لازلنا نجاهد لفهم متناقضة قطة شرودينغر و غيرها من القصص الساحرة، في عالم الميكانيك الكمومي.

تحرير: ماريو رحال

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *