فيما يتعلق بأسطورة الفيزياء الحديثة ألبرت آينشتاين، فإن لدى جميع الفيزيائيين (متابعين و مختصين) حقيقتين راسختين حول هذا الشخص: الأولى تتعلق بوضعه لنظرية النسبية الخاصة، و الثانية تتعلق بفوزه بجائزة نوبل عام 1921.

المشكلة الفعلية هي بالربط ما بين هذين الحدثين، و ما لا يعلمه الكثيرون، هو أن آينشتاين لم يفز بجائزة نوبل نتيجة لعمله في النسبية، بل بسبب إسهامه الكبير بموضوع علمي آخر لا يقل شأناً و أهميةً عنها.

ففي عام 1905، نشر آينشتاين (و كان يبلغ السادسة و العشرين من عمره) ثلاث مقالات علمية بارزة، ظهرت كلها في مجلد واحد من مجلدات المجلة الألمانية العلمية “حوليات الفيزياء”.

عرضت المقالة الأولى تفسير آينشتاين للمفعول الكهرضوئي، مبرهناً على أن الضوء مؤلف من جسيمات حاملة للطاقة (فوتونات) و هي المقالة التي مثلت الإثبات الحقيقي لنظرية الكم التي خرج بها ماكس بلانك قبل هذا التاريخ، و تحديداً عام 1900.

المقالة الثانية قدمت تفسيراً رياضياً للحركة البراونية، و هي الحركة العشوائية المجهرية للجسيمات المعلقة في الماء، و هي الحركة الشهيرة التي لاحظها عالم النبات الاسكتلندي روبرت براون عام 1827 للمرة الأولى، و تمكن آينشتاين من تفسير هذه الحركة العشوائية، بحقيقة وجود الجزيئات، حيث استخلص آينشتاين معادلة بين فيها أن الحركة البراونية تعزى إلى اصطدام جزيئات الماء عشوائياً بالجزيئات المعلقة.

المقالة الثالثة، و هي الأشهر على الإطلاق، فوصفت النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، و التي قلبت كل الأفكار المتعلقة بالزمان و المكان، و أعادت فحص مفهوم الأحداث المتزامنة، و عند صدور النظرية للمرة الأولى، فإن قلة قليلة قد تمكنت من فهمها، و واجه العديد من العلماء صعوبة في تقبل مفاهيمها الثورية الجديدة، خصوصاً مع استحالة تجريبها بالمختبرات، كونها تتطلب مراقبة سلوك الجسيمات بسرعات تساوي أو تقل عن سرعة الضوء بقليل، و لذلك فقد بقيت النسبية الخاصة موضع جدل علمي من الصعب البت فيه بصورة نهائية، و على الرغم من كونها النظرية التي أكسبت آينشتاين سمعته الشهيرة، إلا أنها لم تكن النظرية التي أكسبته جائزة نوبل.

فاز آينشتاين بجائزة نوبل للفيزياء عام 1921، و ذلك بسبب إسهاماته في إثبات المفعول الكهرضوئي، و ليس بسبب نسبيته الخاصة، أو النسبية العامة (التي وضعها عام 1915)، و على الرغم من أن نظريته النسبية (الخاصة و العامة) أصبحت فيما بعد من ركائز الفيزياء الحديثة، و واحدة من أقوى النظريات الفيزيائية في العصر الحديث، إلا أنها لم تكن النظرية التي أكسبته تكريم المجتمع العلمي، فالتفسير النهائي للنسبية، و إثباتها الرياضي، قد تطلب عبقرية رياضيين آخرين مثل الألماني تيودور كالوزا الذي أسقط أبعاد آينشتاين الأربعة على نظام ذو أبعاد خمسة و تمكن من الحصول على نتائج ممتازة، و بقي موضوع عدم إدراكنا للبعد الخامس، الذي فسره السويدي اسكار كلاين، بفكرة “تقوقع البعد و التفافه على نفسه” بكيفية لا نستطيع تمييزها، و هي الفكرة التي أفضت لاحقاً لأفكار أكبر و أهم مثل نظرية الأوتار الفائقة.

تحرير: ماريو رحال

المصادر:
1- “الأوتار الفائقة…نظرية كل شيء؟” – تأليف بول ديفيس و جوليان براون – ترجمة د. أدهم السمان – إصدارات دار طلاس و المعهد العالي للعلوم التطبيقية و التكنولوجيا – دمشق،سورية
2- “البحث عن اللانهاية و حل أسرار الكون” – تأليف غوردون فريزر و تقديم ستيفن هوكنغ – ترجمة د. مكي الحسني و د. أحمد حصري – إصدارات دار طلاس و المعهد العالي للعلوم التطبيقية و التكنولوجيا – دمشق،سورية

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *