النموذج المعياري للفيزياء الجسيمية، و الذي أعطى أفضل تصور ممكن حتى الآن حول الكون، يوجد به ثغرات! وهو غير قادر على تفسير ظواهر معينة مثل المادة المظلمة أو التفاعل التجاذبي ما بين الجسيمات.

و لذلك، فإن الفيزيائيون يبحثون عن نظرية أكثر شمولية و التي يسمونها “الفيزياء الجديدة”، و لكن حتى الآن، فإنه لا يوجد دليل مباشر و ملموس على وجود هذه النظرية، و ما يتوافر لدى العلماء حالياً هو مشاهدات غير مباشرة للمادة المظلمة، قد تم استخلاصها من حركة المجرات.

و قد توقع مجموعة من الفيزيائيين (برئاسة البروفيسور خواكيم ماتياس من جامعة برشلونة) أن نظرية “الفيزياء الجديدة” قد تتضمن انحرافات في احتمالية حصول تفكك لنمط محدد من الجسيمات، وهو الميزون – B، و إن عملية الكشف عن هذه الانحرافات عبر تجربة فيزيائية، قد تكون الدليل الأول حول وجود هذه النظرية الأساسية و الشمولية.

و في التاسع عشر من شهر تموز/يوليو من العالم الحالي، و خلال المؤتمر العالمي للفيزياء الجسيمية الذي عقد في ستوكهولم، أظهر مجموعة من الباحثين يعملون في كاشف LHCb (واحد من أضخم التجارب الفيزيائية التي تم إجرائها عبر مسرع الجسيمات LHC التابع للمركز الأوروبي للبحوث النووية CERN ( نتائجهم التجريبية حول تفكك جسيم ميزون – B.

التجارب التي تم إجرائها قد أظهرت انحرافات عن التوقعات التي تشير إليها نظرية النموذج المعياري، و قد أثبت فريق العلماء أن كل هذه الانحرافات تبدي نمطاً مترابطاً، و هذا ما سمح لهم بتحديد أصل هذه الانحرافات من مصدر فريد.

و إن نتائج تحليلاتهم تشير إلى انحراف عن النموذج المعياري بمقدار 4.5 سيغما، و في حال تم إثباتها و قبولها، فإن هذا يعتبر حدثاً هاماً، حيث أن العلماء قد اعتبروا أن انحرافاً بمقدار 3 سيغما هو “إثبات علمي Scientific Proof” للفيزياء الجديدة، بينما انحراف بمقدار 5 سيغما يعتبر “اكتشافاً جديداً”.

“يجب أن نكون حذرين، لأنه يتوجب علينا إجراء المزيد من القياسات التجريبية المطلوبة من أجل تأكيد النظرية الجديدة” كما يوضح البروفيسور خواكيم ماتياس، و يضيف :” و إذا تم تأكيدها، فإن هذا هو الدليل المباشر لنظرية الفيزياء الجديدة، و التي تشكل نظرية أكثر شمولية من نظرية النموذج المعياري المعتمدة حالياً”. و إذا تمكن جسيم هيغز من إكمال لوحة البازل المتعلقة بنظرية النموذج المعياري، فإن الاكتشافات الجديدة ستكون القطعة الأولى من لوحة بازل أكبر، حسب البروفيسور ماتياس.

يأمل الباحثون في أن أحد نماذج نظرية الفيزياء الجديدة و القادر على تفسير هذه النتائج، هو النموذج الذي يفترض وجود نمط جديد من الجسيمات سمي بـ “زبريما Zprima”، و يشير البروفيسور ماتياس هنا إلى نقطة هامة :” قد يكون هناك العديد من النماذج المتوافقة”.
هذه الاستنتاجات الجديدة قد أثارت اهتماماً كبيراً، فقد أعلن مجموعة من الباحثين في واحدة من التجارب الأساسية الأخرى في مسرع LHC، و هي تجربة CMS، عن رغبتهم بأخذ هذه القياسات، و قد تمت دعوة البروفيسور ماتياس من أجل شرح التفاصيل النظرية في ندوة ضمن CMS، و خلال نفس الوقت، فإن LHCb يضيف معطيات جديدة من أجل تحسين الإحصائيات، و تأكيد التجارب و تثبيتها، في شهر آذار/مارس المقبل.

ما بعد النموذج المعياري Beyond The Standard Model
خلال أعوام طويلة، علم الفيزيائيون أن نظرية النموذج المعياري التي يستخدمونها، و على الرغم من نجاحها التجريبي في كل الاختبارات المجراة حتى الآن، فهي تمتلك أوجه قصور هامة، مثل عدم وجود جسيم أولي، مرشح كي يفسر المادة المظلمة، و بالإضافة لذلك، فهي تمتلك مشاكل أخرى خصوصاً فيما يعرف بـ “المشكلة الأساسية لعدم تناظر المادة و المادة المضادة في الكون”.

اثنان من الأهداف الأساسية لصادم الهدرون الأكبر LHC، في المركز الأوروبي للأبحاث النووية CERN، هو البحث و الكشف عن جسيم “هيغز-بوزون” و البحث عن ما يعرف بـ “الفيزياء الجديدة” و التي يعتقد أنها نظرية أكثر شمولية من النموذج المعياري، بحيث يعتقد العلماء أن نظرية النموذج المعياري عبارة عن حالة خاصة من “الفيزياء الجديدة”. و قبل عام من الآن، فإن جسيم “هيغز-بوزون” قد تم اكتشافه، إلا أن الجسيم يبدو و كأنه مناسب تماماً للنموذج المعياري، و حتى الآن، فهو لا يعطينا أية دلائل أو قرائن فيما يتعلق بالفيزياء الجديدة.

النتائج المعلنة في المؤتمر العالمي للفيزياء الجسيمية 2013
في المركز الأوروبي للأبحاث النووية، يوجد 4 تجارب أساسية، و 4 كواشف ضخمة (Atlas,CMS,LHCb,Alice) و التي تقوم بتسجيل التصادمات بين الجسيمات، و بذلك فإن العلماء يستطيعوا دراسة سلوك هذه الجسيمات، و كاشف LHCb قد تم تصميمه من أجل دراسة سلوك الكواركات و التي تعرف أيضاً بالتفككات النادرة، و التي هي قليلة الحدوث و التكرار.

و في التاسع عشر من شهر تموز/يوليو من العام الحالي، قدم البروفيسور ماتياس خلال المؤتمر العالمي للفيزياء الجسيمية في ستوكهولم، التوقعات النظرية لفريقه البحثي، خلال دراسة أحد هذه التفككات في كاشف LHCb، حيث أظهرت النتائج أن تحلل جسيم ميزون-B قد تشكل من جسيم كوارك-b و مضاد كوارك-d، سيعطي زوجاً من الميونات و جسيماً يدعى K. و ما قام به الباحثون في جامعة برشلونة و زملاؤهم من المركز الوطني للأبحاث العلمية في فرنسا، هو حساب و توقع كيف يمكن لهذا التفكك أن يحدث، و كيف يمكن أن يتغير في سيناريوهات مختلفة بنظرية الفيزياء الجديدة.

و بعد تقديم البروفيسور ماتياس لنتائجه بفترة قصيرة، قام نيكولا سيررا، أحد الفيزيائيين التجريبيين العاملين في LHCb، بعرض النتائج التجريبية الكاملة لهذا التفكك، و بشكل مفاجئ، فإن القياسات التجريبية كانت متناسقة مع الانحرافات التي توقعها البروفيسور خواكيم ماتياس و زملائه، و لأول مرة، فإن انحرافات من هذا النمط تظهر بشكل متناسق مع التوقعات النظرية، و تعتمد على وجود مساهمات، تتجاوز و تتخطى النموذج المعياري.

ترجمة: ماريو رحال
مراجعة: رضوان تشي

المصدر:
http://phys.org/news/2013-07-experimental-physics-standard.html

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *