سيرن مستعدة للبحث الكوني الجديد
بعد التقدم الكبير باكتشاف جسيم هيغز، سيرن مستعدة للبحث الكوني الجديد.
قبل عام من الآن، تمكن أضخم مصادم جسيمات في العالم من تحقيق واحدة من أضخم الاكتشافات العلمية بتاريخ العلم، متمثلاً بتحديد ما يعتقد أنه جسيم هيغز – بوزون، الجسيم المسؤول عن إعطاء كافة الجسيمات الأخرى كتلتها.
اليوم شاشات الكومبيوتر في سيرن أصبحت سوداء، و منصات التحكم بدون موظفين، و النفق العالي التبريد أصبح فارغاً من حزم البروتونات المتصادمة، التي أعطت لمحات هامة من الانفجار العظيم، ساهمت بالعثور على جسيم هيغز المراوغ.
إلا أن العلم عبارة عن وهم, وخلف هذا المنظر، فإن العمل يسري على قدم و ساق من أجل تقديم تحديثات ضخمة لهذه الآلة الهائلة، بشكل يؤمن لها توسيع معارفنا و مداركنا بشكل أكبر و أوسع من ذي قبل.
فالمصادم الدائري الذي يمتد على طول مقداره 27 كم على طول الحدود السويسرية الفرنسية، و المتمركز بعمق مقداره 100 متر تحت الأرض، قد دخل بمرحلة إيقاف منذ شهر شباط/فبراير من العام الحالي، و لفترة ستستمر لحوالي 18 شهراً.
و عندما سيتم استئناف التجارب في عام 2015، فإن العلماء في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN، سيقومون باستخدام الطاقة الجديدة و المحسنة من أجل الكشف و البحث عن المادة المظلمة، الطاقة المظلمة، و التناظر الفائق، و هي مجموعات أفكار و نظريات كانت على نفس درجة الغرابة بالنسبة للعلماء، تماماً مثل وجود جسيم هيغز، منذ نصف قرن و حتى الآن.
و في حين أن المهندسين يقومون بالتركيز على النواحي التقنية للمهمة، يعمل الفيزيائيون على غربلة الكميات الكبيرة من المعطيات و المعلومات التي حصلوا عليها من التجارب المتكررة و التي تم إجرائها منذ عام 2010.
يقول تيزيانو كامبوريزي الباحث في CERN ” إن الأمور التي من السهل توضيحها و كشفها قد تم استثمارها و استغلالها مسبقاً، و نحن الآن نأخذ أموراً أخرى” ، مشيراً إلى أن التعامل مع الأمور و القضايا المجهولة، كان أمراً لا سبيل لمعرفته.
كما يتابع تيزيانو توضيحه ” نحن نقول دائماً أن الفلكيين يمتلكون مهام أسهل، لأنهم يستطيعون أن يروا بالفعل ما يبحثوا عنه!”
إن التصادمات التي تحدث في مصادم الهدرون الأكبر LHC تقوم بتحويل الطاقة إلى كتلة، و الهدف من هذه العمليات هو البحث عن الجسيمات الأساسية في المستويات ما دون ذرية، و التي ستساهم في فهمنا بشكل أكبر للكون.
و عند الذروة، فإن صادم الهدرون الأكبر كان يعمل على إدارة و تنظيم عدد هائل من التصادمات الجزيئية – المحيرة بالنسبة لنا – و التي يصل عددها إلى 550 مليون تصادم في الثانية الواحدة!
يقول مايك لامونت، رئيس أحد الفرق البحثية في CERN ” لقد قمنا بتقديم أكبر عدد ممكن من التصادمات لهؤلاء الأشخاص” كما ، و يتابع توضيحه :” معظم هذه الأشياء (المعطيات) هي أمور غير مهمة، لذلك هناك تحدي حقيقي يكمن في ترتيبها، و إلقاء معظم المعطيات الغير مفيدة خارجاً، و التقاط و تحليل المعطيات الهامة و المفيدة”.
الحواسيب الفائقة التي يتم استخدامها في CERN مبرمجة و مصممة لتحديد التصادمات ذات القمية المهمة، و التي تتطلب تحليلاً، في أزمان من رتبة الميكروثانية، و ذلك قبل أن يقوم الآلاف من الفيزيائيين حول العالم بتمشيط النتائج و تحليلها، لتوسيع معارفنا حول المادة.
ويقول جيمس جيلليز، أحد المتحدثين الأساسيين لـ CERN ” نحن نريد أن نفهم كيف تتفاعل المادة، لماذا تتجمع مع بعضها مشكلةً جسيمات صغيرة ندعوها بالذرات و الأنوية و ذلك على مستويات صغيرة جداً، و كيف ترتبط مع بعضها للتتجمع و تشكل أشياء على مستويات كبيرة، مثل الأشخاص و الكراسي و المقاعد، و من ثم كيف تشكل الكواكب و الأنظمة الشمسية و المجرات الكبيرة”.
” يعلم الجميع ما هو الالكترون، خصوصاً عندما تقول وضع اصبعك في مقبس كهربائي”، على حد قول جوكد بيرلويجي كامبانا، و الذي وفر فريقه البحثي الأدلة الأكثر تفصيلاً حول صحة نظرية النموذج المعياري، النظرية الفيزياء الأساسية حول الجسيمات و التي تم تطويرها في سبعينيات القرن الماضي.
لقد تمكنوا من إجراء أدق قياس تجريبي لتغير في جسيم يدعى Bs، مظهرين أنه من بين كل مليار تفكك، حفنة صغيرة من التفككات، ستتم من أجل الحصول على جسيمات أصغر هي الميونات.
و بالنسبة للخبراء، فإن هذا الاكتشاف على نفس القدر من الإثارة من ملاحقة و اكتشاف جسيم هيغز، المعروف بين العلماء بالـ “الجسيم الإلهي God Particle”، و الذي تم توصيفه نظرياً عام 1964 عبر الفيزيائي البريطاني بيتر هيغز و آخرون، في محاولة لتفسير الشذوذ الصارم بين الجسيمات:
لماذا تمتلك بعض الجسيمات كتلة، بينما بعضها الآخر لا يمتلكها؟
النموذج المعياري هو عبارة عن مفهوم فيزيائي موثوق، إلا أنه لا يزال يعاني من نقص في بعض التفسيرات، خصوصاً فيما يتعلق بالجاذبية، كما أن النموذج المعياري لا يأخذ بعين الاعتبار المادة المظلمة و الطاقة المظلمة، و التي تشتمل على معظم الكون، و التي يعتبر وجودها مستدل عليه من تأثيراتها في المادة العادية.
بعض الفيزيائيين أيضاً يناصر و يدافع عن فكرة التناظر الفائق Suppersymmetry، و هي الفكرة التي تشير إلى أنه يوجد جسيمات جديدة تشكل مرايا معاكسة تماماً لكل جسيم فيزيائي معروف.
” نحن نتملك الآن نظرية تصف كل الأشياء المحيطة بنا، من المادة العادية و المرئية التي تكون الكون، إلا أنها حتى الآن، لا تصف إلا حوالي 5% من مجمل الكون” كما يقول جيمس جيلليز.
مصادم الهدرونات الأكبر LHC قد استبدل عمل مصادم الالكترونات-البوزيترونات الأكبر Large Electron-Positron Collider LEP و الذي عمل من القترة 1989 و حتى عام 2000، و قد أعلن عن انتهاء تصميمه في عام 2008، إلا أن بعض المشاكل الفنية قد أخرت إطلاقه حوالي العامين.
و قد تم تصميم مصادم الهدرون الأكبر كي يصل لمستويات طاقة تعادل 8 تيرا الكترون فولت ةالتي تنتج من التصادمات الجسيمية، مقارنةً مع المستويات التي كان LEP يصل إليها و التي وصلت إلى 0.2 تيرا الكترون فولت.
و بعد التحديثات الجديدة التي بلغت قيمتها المالية 50 مليون فرنك سويسري (54 مليون يورو)، فإن الهدف هو الوصول لمستويات طاقة تعادل 14 تيرا الكترون فولت، مما يعني الحصول على انفجارات أكبر، و لمحات أفضل و أوضح حول الظروف البدائية لنشأة الكون.
ترجمة : ماريو رحال
مراجعة : Jamal Novelty
المصدر:
http://phys.org/news/2013-08-higgs-breakthrough-cern-readies-cosmic.html